إياد صالح
كان من المتوقع بعد رمضان 2010 أن يزداد عدد المسلسلات ويرتفع مستوى القصص والسرد، ومستوي المعالجات البصرية والتقنيات، ولكن لم يسِر الأمر كذلك.
لا يمكن بالطبع استبعاد أن الأحداث السياسية، والاضرابات التي دخلت فيها مصر من 2011 كان لها تأثير كبير على ما يحدث، فلقد ارتبك كل شئ، وبالتالي من الطبيعي جدا أن ترتبك صناعة المسلسلات، لكن الأمر لم يكن فقط من زاوية الصناعة، وعناصر الإنتاج، وتعطل صناعة السينما، لكن كان هناك تغيير في المزاج العام للجمهور، حيث أصبحت الأخبار السياسية، وبرامج التوك شو تطارده في كل مكان وأصبح يكتشف كل يوم أشياء لم يكن يعرفها عن البلد التي يعيش فيها منذ سنوات.
لذلك كانت السمة العامة لرمضان 2011 و2012 هي العشوائية، تجارب تعتقد أنها ستكون مختلفة فتأتي أقل من المستوى، وتجارب تعتقد أنها ستفشل فتحقق نجاحا، وتجارب شديدة الغرابة ولا تعرف لماذا قدمت وكيف قدمت.
بالطبع كانت هناك بعض السمات المميزة خلال العامين، مثل مسلسل “المواطن إكس” الذي كان مغامرة إنتاجية لتقديم مسلسل بطولة جماعية لمجموعة من النجوم الشباب في ذلك الوقت؛ “يوسف الشريف- أمير كرارة-عمرو يوسف- إياد نصار-محمود عبدالمغني- محمد فراج- نبيل عيسى- دينا الشربيني-أروي جودة-شيري عادل- رشا مهدي)، وأول تجربة إخراج مسلسل لـ محمد بكير وعثمان أبولبن، وأول مسلسل للمؤلف محمد ناير.
حقق المسلسل نجاحًا في وسط جمهور الشباب، خاصة أن موضوعه كان مناسبًا للأحداث وقتها، وبالرغم من أن النجاح الضخم كان لمسلسلات مثل “آدم” لتامر حسني، و”كيد النسا” لفيفي عبده وسمية الخشاب”، و”سمارة” لغادة عبدالرازق، و”الدالي” ج 3 لنور الشريف، إلا أن “المواطن إكس” كان له صدى داخل الصناعة التي لم تفكر بشكل رئيسي في أن السرد والشكل الفني كانا هما أساس الاختلاف، بل كان الصدى في أن هناك نجوم كثيرة يمكن أن يقدموا بطولات في الأعوام المقبلة، وهو ما حدث بعد ذلك.
وفي 2012 كانت عودة عادل إمام لتقديم المسلسلات؛ بمسلسل “فرقة ناجي عطا الله”، وعودة محمود عبد العزيز بتقديم “باب الخلق” وكذلك محمد سعد في مسلسل “شمس الأنصاري” وكريم عبد العزيز في “الهروب”، كلها تجارب يمكن أن ترها الآن من منظور سعي الصناع لضمان النجاح، في ظل عدم وضوح الرؤية فيما يريد الجمهور.
يأتي رمضان 2013، ليبدو أن الأمر اختلف، وأن الصناعة تكمل ما بدأته في 2010، وتستفيد من ما يحدث في مصر، وارتفاع سقف الرقابة على الأعمال الفنية، لنرَ موسم مليئ بالتجارب مرتفعة المستوي البصري، متنوعة الشكل الفني، كذلك تحمل قصصا وسيناريوهات مختلفة، ففي هذا العام كان هناك “موجة حارة” للمخرج محمد ياسين، عن قصة لأسامة أنور عكاشة وسيناريو لمريم ناعوم ووائل حمدي وهالة الزغندي، وكذلك “ذات” لـ كاملة أبوذكري وخيري بشارة عن قصة صنع الله إبراهيم وسيناريو مريم ناعوم، “بدون ذكر أسماء” لـ تامر محسن وسيناريو وحيد حامد ، “نكدب لو قولنا مابنحبش” لغادة سليم وسيناريو تامر حبيب، “الداعية” لـ محمد العدل، سيناريو مدحت العدل، يوسف الشريف يكتشف بشكل واضح الخط الذي سيكمل فيه لأعوام بمسلسل “اسم مؤقت” لـ أحمد نادر جلال، سيناريو محمد سليمان عبد الملك، أمير كرارة في تجربته الأولي كضابط شرطة والبطلة أمامه الممثلة التركية “سونغل أودن” التي عرفت في العالم باسم “نور”؛ ليقدم مسلسل “تحت الأرض” لـ حاتم علي من سيناريو هشام هلال، خالد صالح يقدم “فرعون” لـ محمد علي وسيناريو ياسر عبد المجيد وعمرو الشامي.
مني زكي تعود للمسلسلات بعد تجربة السندريلا في 2006 لتقدم “آسيا” للمخرج محمد بكير، سيناريو عباس أبو الحسن، وكذلك عادل إمام يقدم واحدا من أفضل أعماله في الألفية بمسلسل “العراف” لـ رامي أمام، سيناريو يوسف معاطي، غادة عبدالرازق في أكبر استغلال لسقف الرقابة تقدم مسلسل “حكاية حياة” لـ محمد سامي وسيناريو أيمن سلامة، إعادة تقديم قصة الزوجة الثانية في مسلسل بنفس الاسم ، نور الشريف يقدم “خلف الله”، صلاح السعدني “القاصرات”، ليلي علوي “فرح ليلى”، مصطفي شعبان “مزاج الخير”، وكذلك المسلسل الكوميدي “الرجل العناب”.
كل تلك الأعمال قُدمت في عام واحد، لتجد خليطا متنوعا من الأفكار والقصص، ولكن كان السائد في كل الأعمال ارتفاع المستوي البصري، والشكل، بل والأداء التمثيلي، وبشكل حقيقي أصبحت حتى الأعمال التي يمكن وصفها بأنها تجارية لا تشبه مسلسلات العقد الأول من الألفية، بل تقدم بمستوي بصري مختلف، تنوع في أجيال الأبطال، وأجيال المخرجين وأجيال كتاب، مع وجود الكثير من الكتاب الشباب في أول أو ثاني تجاربهم في عالم المسلسلات.
وكما كان “المواطن إكس” في 2011 أحد الأعمال التي دفعت الصناعة للتطور، وخلق جيل جديد من النجوم، وتغير في الشكل البصري للمسلسل المصري، ففي 2013 كان هناك عمل آخر يمكن أن تره بنفس المنطق ولكن مع بعض الاختلافات.
ففي نفس العام جاء مسلسل “نيران صديقة” للمخرج خالد مرعي (ثاني تجاربه بعد مسلسل شربات لوز) والسيناريست محمد أمين راضي (أول تجاربه) والذي يمكن أن تتوقف عنده، فبالرغم من أنه لم يكن أكثر الأعمال جماهيرية في ذلك العام، ولكنه حقق جماهيرية غير متوقعة، وفقا لشكل العمل، ولإدراك ذلك فإن سيناريو هذا العمل يحمل الكثير من العناصر التي تدفع أي منتج أو محطة لرفضه، أولا تدور أحداث المسلسل في زمنين الحاضر، والثمانينات، والأعقد أننا نتحرك في الماضي عاما وراء الآخر، فالحلقة الأولى تبدأ في عام 2009 ولكنها تعود لعام 1986، والحلقة الثانية تبدأ في عام 86 وتعود بك مرة أخري قبل نهايتها لعام 2009، وهكذا 87،88،89 ، وهو أمر وأنت تقرأه الآن يوحي بأن المسلسل لن يتابعه أحد، ولكن على عكس ذلك كان الأمر مثير لقطاع من الجمهور الذي كان مستمتع وهو يحاول أن يجمع قطع البازل من السنين ليفهم القصة الكاملة.
ولكن كان هناك عنصر آخر أشد غرابة، وهو أن المحرك للأحداث هو كتاب يعرف كل ما يحدث بين هؤلاء الأصدقاء ويسجل فيه كل شئ ويقطر طوال الوقت دماء، كتاب مسحور في عمل يحمل مستويات من الزمن، أضف علي ذلك أن جميع الشخصيات شريرة أو لها خطايا واضحة ولا يوجد بينهم أي شخص طيب أو ملائكي، بالتأكيد هذا ليس مسلسل مصري، ولكن الشخصيات مصرية جدا بكل تفاصيلها، بل والأحداث المؤثرة على الأبطال أحداث مصرية مثل زلزال 92 وغيرها، وفي كل حلقة هناك في الخلفية أغنية من أغاني عمرو دياب التي صدرت في نفس العام الذي تدور فيه الأحداث.
بالطبع قدم خالد المرعي المسلسل بطريقة تحاول أن تجعلك ملما بعنصر الزمن دائما وبكتابة التاريخ على الشاشة، وبتمهيد دائم للحظة فتح الكتاب والقراءة فيه، ولكن يظل الأمر غريب، والأغرب هو حماس قطاع من الجمهور للمسلسل وتفاعلهم معه، وشعورهم (خاصة الشباب) أنهم لا يحبوا المسلسلات لكن أحبوا “نيران صديقة”.
ذلك العمل كان له أثر إيجابي لدى الصناع، وهو التوقف عن الترديد الدائم لفكرة أن الجمهور ساذج ولا يحب الأمور الصعبة، وأن الإيقاع السريع يفقد الجمهور حماسه لأنه اعتاد على أن يترك المسلسل حلقة ثم يعود في الأخرى ويفهم كل ما حدث بسهولة، وبالطبع أتاح العمل فرصة لكاتبه ومخرجه لتكرار العمل معا في العام التالي، وأكدا على نجاح فكرة البطولة الجماعية.
في ذلك الوقت كان الحديث عن أن المسلسل جذب الجمهور المتابع للمسلسلات الأمريكية مثل “lost”و “Prison Break” والإيقاع السريع ونهايات الأحداث الساخنة المعلقة، والشخصيات متعددة الأبعاد، كل ذلك حقيقي، ولكن ما لم يدرك بشكل واضح هو أن الجمهور يتغير بشكل كبير، وأنه وإن كانت الأزمة من 2000 لـ 2010 في طريقة إخراج المسلسلات؛ فإن الأزمة المقبلة ستكون في طريقة كتابة المسلسلات، وأن الأمر يحتاج اهتماما بما يقدم ليناسب الجمهور؛ الذي أصبح أكثر انفتاحا على العالم وأكثر ذكاء من قبل، خاصة مع انتشار السوشيال ميديا التي فتحت النقاشات بين الجمهورعن كل عمل للتعليق والتحليل والنقد، بما يعني أن “النص” أصبح عنصر فارق يحتاج لعناية لم تتحقق بشكل حقيقي حتي يومنا هذا.
كذلك كانت طريقة استفادت الصناعة من تجربة “نيران صديقة” خلقت سلبيات ستتضح بمرور الوقت، فقد أسس نجاح المسلسل، لوجهة نظر خاطئة وهي البحث الدائم من المنتجين عن الأفكار التي تبدو في ظاهرها جديدة ومختلفة، أو كما يقال High Concept ولكنها في النهاية تلتزم بمعايير الإنتاج العادية والسرد التقليدي، فأصبح لدينا الكثير من المسلسلات التي تبدأ بحادث غريب، أو في عالم غريب، أو بشخصية غريبة، فتجذب المشاهد ثم تتحول بمرور الحلقات إلي “تمثيلية” عادية كما سبق، وهو ما فتح بابا واسعا للاقتباس من مسلسلات أجنبية، وكذلك ظهور نظرية الحلقة الأولي الساخنة جدا، ثم بعد ذلك فكرة الحلقات الثلاثة الساخنة.. والنهاية الساخنة، وفي الوسط لنعُد لما اعتدنا عليه.
في الحقيقة أن الدرس الذي كانت تحتاج الصناعة لأن تستفيده من تلك التجربة، هو أن المسلسل يجب أن تنتهي كتابته مبكرا كاملا ثم يبدأ تصويره، لأن تلك هي الضمانة لصناعة أحداث، وشخصيات وعلاقات، وهو الذي نادرا مايحدث حتى الآن، والأمر الثاني أن إيقاع العمل لا يرتبط بجريمة القتل أو الخطف أو السرقة؛ إنما يعتمد علي تطور الشخصيات وتفاعلها.
وفي النهاية كما حدث في 2010، حدث في 2013، ولم تأتِ الأعوام التالية لها لتخلق نفس الحالة وتطورها، وظل الأمر يقتصر علي تجارب ومسلسلات فردية مختلفة، وليست حالة عامة، كان واحدا من أهم تلك التجارب سيأتي في عام 2017 لمخرج قدم أول مسلسل له في 2013 ليحطم بعض النظريات الخاطئة.. وللحديث بقية.