محمود خليل
كعادة كل سنة تبدأ المسلسلات في العرض الرمضاني، وكل منها يتمنى الوصول لأكبر قطعة من التورتة، دخلت الدراما هذا الموسم في ظل معدلات مشاهدة متوقع أنها ستكون الأضخم نظرا لتنفيذ الاجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، وجلوس أغلب العائلات في منازلها بعيدا عن الزيارات والمولات والكافيهات والخيم الرمضانية، وهنا ظهر مكون إضافي لم يكن موجودا بكامل قوته طوال السنوات الماضية، وهو بوستات الناس الطبيعية، المشاهد العادي، الذي يتنقل بين القنوات ممسكا بالريموت في يد والموبايل في يد، ينقل انطباعاته ورؤيته فورا، وهنا انقلبت خريطة الدراما رأسا على عقب، وجاءت مسلسلات من قاع المشاهدة للقمة بفضل بوستات العقل الجمعي الطبيعي، ولا أتحدث هنا عن جيوش “الفانز” ولا ألتراس المعجبين ولا حتى الصحفات الرسمية للمسلسلات أو جهات الإنتاج.
دخل مسلسل “البرنس” هذا الموسم محملا بإرث ثقيل لنجمه الأول محمد رمضان، وسط اتهامات وحكايات وصور وفيديوهات جعلت العقل الجمعي على الفيس بوك يرفض مجرد الإشارة إلى المسلسل أو حتى وضعه في قائمة المشاهدة، وساعد على ذلك أحداث الحلقة الأولى لتخرج التعليقات مؤيدة لفكرة الرفض، قصة مكررة مقتبسة عن النبي يوسف وإخوته، وسرعان ما بدأت السيناريوهات، إخوته هيظلموه وهينتقم كعادته، لكن بمرور الحلقات كانت هناك فئة تواصل مشاهدة المسلسل من باب تمضية وقت الحظر، ومع تصاعد الأحداث وقوة المشاهد، ومباراة التمثيل بين روجينا وأحمد زاهر وسلوى عثمان وحتى اللبنانية نور، بدأت بوستات العقل الجمعي على الفيس بوك تغذي معدلات المشاهدة للمسلسل، وظهرت فيديوهات لبعض العائلات أو الشباب وهم منفعلون للغاية مع مشاهد الحقد والكراهية المجتمعية، خاصة مشهد إلقاء ابنة رضوان في الشارع، وفوجئ الممثلون برسائل على الواتس آب وعلى الماسنجر تتوعدهم بأغلظ الدعوات، ليعود البرنس إلى الواجهة، ويتضح ذلك من طول الفترة الإعلانية في الحلقات الأخيرة من البرنس مقابل الحلقات الأولى.
دخل الموسم الرمضاني هذا العام، وعدد كبير من المشاهدين لا يعرفون أصلا أن نيللي كريم لها مسلسل، ومنهم زوجتي لما سألتها هي نيللي كريم عاملة نكد أيه السنة دي، قالت: “مافيش”، أيام قليلة وبدأت بوستات على صفحات أصدقاء أن فيه مسلسل اسمه بـ100 وش، وكوميدي على غير العادة، وتصاعدت البوستات مع توالي الأيام، وانهالت صيحات الإعجاب على السوشيال ميديا بأداء نيللي كريم وآسر ياسين وأفراد العصابة، ومن قبلهم الإخراج المتميز لكاملة أبو ذكري، لتنقلب بوصلة الريموت تجاه قناة الحياة لمتابعة المسلسل، وترتفع وتيرة الإعجاب والمتابعة ومعها ترتفع معدلات مشاهدة نيللي كريم الكوميدية، لدرجة أن المشاهد أعجب بالقصة رغم أنهم عصابة للنصب.
عدد كبير من المشاهدين -ومنهم أنا- وضع رجالة البيت في قائمة المشاهدة، استنادا إلى موسمين رائعين هما الوصية وريح المدام، بما يعني أن أكرم حسني وأحمد فهمي هيكونوا فاكهة ساعات الحظر قبل وبعد الإفطار، لكن بمرور الحلقات بدأت بوستات معبرة عن الصدمة، إفيهات لا تنتزع ضحكة طفل، مواقف باهتة، كوميديا مكتوبة بقلم “جاف”، اضطر معها عدد لا بأس به في متابعة المسلسل من باب التسلية، حتى ظهرت بوستات بـ100 وش، ليجد مشاهد الكوميديا ضالته ويهجر رجالة البيت، وهو ما ظهر واضحا على أبطال المسلسل، حتى أن بيومي فؤاد اعتذر عما جاء فيه، واضعا عدد من الحجج المتعلقة بكورونا والحظر ومشاهد التجمعات، لكن في المجمل توارى رجالة البيت عن قائمة المشاهدة رغم غزارة العرض على 3 قنوات.
دخلنا الموسم الرمضاني والسؤال ماذا سيقدم لنا يوسف الشريف هذا العام، النجم الذي اعتاد تقديم قصص مختلفة ودراما متميزة، وضعته كنجم شباك تليفزيوني، وطوال ما يقرب من 20 حلقة والمشاهد يتأرجح بين بوستات السخرية من المستقبل، وبوستات “شابوه يوسف الشريف”، ورغم أن المسلسل ينتمي لفئة الخيال العلمي وهي فئة مهجورة في الدراما المصرية، لكن عقل المشاهد لم يهضم معظم المشاهد، مشاهد يؤمن بقراءة الفنجان وفتح المندل رفض عقله الباطن أن مستقبله مشوه بهذه الطريقة، الملابس مهلهلة، والحرب على أشدها، والغذاء بالخناق، وفئة مستأثرة بكل شيء بملابس مهندمة، ومع كل ذلك واصل مسلسل النهاية وجوده في قائمة الريموت من باب “لعل وعسى”.
لا جدال على أن الفنانة يسرا واحدة من أفضل ممثلات الدراما خلال السنوات الأخيرة، لكن مسلسلاتها الأخيرة لم تلق القبول بعض الشيء، فماذا ستقدم يسرا هذا العام، ليتوارى الريموت عن خيانة عهد، لكن بمرور الحلقات برزت بوستات العقل الجمعي، مشيدة بمسلسل يسرا، ومشاهد درامية مؤثرة، من وفاة ابنها، لدفنه، لكشفها أن شقيقتها هي القاتلة، وعلى غرار مسلسل البرنس تسببت بوستات الفيس بوك في رفع معدلات مشاهدة مسلسل خيانة عهد وتحول الريموت لموعد وقناة عرضها، في انتظار انتقامها الذي يؤيده المشاهد وينتظره.
ياسمين عبد العزيز نزلت المسلسل بعقل جمعي على الفيس بوك بقصة طلاقها وارتباطها بالممثل أحمد العوضي وبوستات شقيقها، مع تركيز شديد في الدعاية على أن القصة رومانسية، ومن الحلقة الأولى ومع طلاقها المثير للدهشة من النجم شريف منير، بدأت المعركة بين الرجال والسيدات، مسلسل استطاع التعبير بدقة عن معركة الطلاق في المجتمع، رجال وسيدات يصر كل طرف على أنه الطرف الضعيف الذي تعرض لصدمة من الطرف الآخر، ليظهر مراد السويفي بكل إمكانياته المادية الهائلة، ليحقق رغبات “غالية” ومعها رغبات مكبوتة لدى السواد الأعظم من سيدات المجتمع، يخت باسمها، قرية سياحية باسمه، حنية زائدة عن اللزوم، وصدمة الغيرة الشديدة، لدرجة أن مراد السويفي تحول من بطل رومانسي في بوستات الفتيات لبطل من ورق حين ظهرت شخصيته الغيورة وتحديدا عبارة “يا أنا يا شغلك”، وتحول مرة أخرى باعتذاره وتراجعه عن موقفه، وبذلك تسببت بوستات التأرجح في معدلات مشاهدة عالية للمسلسل، وتساؤلات وسيناريوهات عن مستقبل العلاقة، خصوصا مع تطور شخصية شريف منير أو المخرج عبد الله الروبي، ويبدو أننا أمام مباراة جديدة خلال الحلقات القادمة.
3 مسلسلات دخلوا الموسم الرمضاني بفكرة موحدة عند المشاهد، 3 فنانات ظهرن على بوستر المسلسل كبطلة باعتبارهن زوجات لـ3 من المشاهير، دينا الشربيني في لعبة النسيان زوجة المطرب عمرو دياب، وياسمين صبري في فرصة ثانية زوجة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، وريهام حجاج زوجة المنتج محمد حلاوة، ولسوء الحظ أو صدفة عجيبة تمر دينا الشربيني وياسمين صبري بفقدان الذاكرة، لتنهمر بوستات تتعجب مما يحدث في سوق الدراما، وبمرور الحلقات تظهر دينا الشربيني بأداء قوي كان واضحا في بوستات المشاهدين، في حين حظيت ياسمين صبري بالقليل من الإشادة والكثير من بوستات الملامح الجامدة في كل المواقف الصعبة منها والسهلة، وساعد في تماسك المسلسل في المشاهدة مواقف شقيقتها الفنانة هبة مجدي وزوجها المتألق محمد دياب، وتبدلت بوستات الغضب من الموقف المتخاذل للزوجة التي ترضى بكل أنواع الإهانة، لبوستات الإعجاب في أخذ حقها وتبدل حالها، في حين توارت ريهام حجاج خلف بوستات المباراة الدرامية بين محمود حميدة وخالد النبوي.
يبقى مسلسل “الاختيار” في منزلة درامية رفيعة، فهو المسلسل الوحيد الذي يتابعه الجميع ويتفاعلون معه يوميا، قصة بطل مصري تدور حوله قصص مئات الأبطال من أفراد الجيش والشرطة في مواجهة جحافل التطرف والإرهاب سواء من تنظيم الإخوان الإرهابي أو من التنظيمات الإرهابية المنبثقة عنه، مسلسل عشنا تفاصيله ونعرفها جيدا، لكننا نراها من جديد ونترحم من جديد ونشيد من جديد، رحم الله بطلنا أحمد المنسي وكل من جاوره أو سبقه أو لحقه في الشهادة.