إياد صالح
هل تذكر آخر مرة سمعت نكته “جديدة” وضحكت عليها؟ “النكتة” التي كان يتبادلها الأصدقاء عند لقائهم، وكان دائما هناك صديق مميز يحكي الكثير من النكات الجديدة.
إجابتك علي السؤال السابق، تصل بك لأهم أسباب تراجع المسلسلات الكوميدية الرمضانية، في السنوات الأخيرة.
بالطبع تعاني المسلسلات الكوميدية من كل المشكلات التي تعاني منها كل المسلسلات، مثل بدء التحضير المتأخر، عدم كتابة العمل كاملا قبل التصوير، التصوير في رمضان، متطلبات النجم …..الخ، لكن المسلسلات الكوميدية تعاني من مشاكل أخري، أهمها هي تغير “الضحك” نفسه بعد ظهور السوشيال ميديا.
قبل ظهور السوشيال ميديا، كانت كل أشكال الكوميدية التي تقدم للجمهور، تعتمد في بناء قصتها وبناء النكت داخلها علي عدد قليل من الكتاب لديهم موهبة كتابة المواقف الكوميدية، أو موهبة كتابة الكراكترات الكوميدية، أو موهبة كتابة النكت والأفيهات، وكان يشارك الكتاب في ذلك الممثلين من أصحاب خفة الظل والموهبة الكوميدية، بل وكان أحيانا يستعين الممثلين بأشخاص لديهم موهبة “كتابة الإفيهات” فقط في أن يشاركوا في وضع “أفيهات” علي العمل الكوميدي الذي قدمه المؤلف.
لذلك كان “الضحك” مرتبط بعدد محدود من الأشخاص، يعبروا عنه من خلال وسائط محددوة (أفلام / برامج / كتب / مسرحيات / مسلسلات)، والتي تقدم تلك الجرعة في أوقات محددة وهي لحظات التعرض للمحتوي السابق، ويعيد نشرها الجمهور من خلال دوائرهم الشخصية فقط في لقاءتهم ومكالمتهم.
في آخر إحصائية عن عدد المصريين علي موقع فيسبوك، تقول الأرقام إنهم يتراوحوا بين 40 لـ 43 مليون مصري، وهو رقم يقترب من 50% من تعداد السكان، هذا الرقم الضخم والذي يزداد كل يوم، أصبح لديه خصائص إمكانيات تجاه قضية الكوميديا والضحك:
أولا العدد: أنت أمام عدد مهول من البشر، يستطيع أن يصنع نكات وإفيهات، فعندما يحدث شئ ما، ستجد صور كوميدية وأفيهات وكوميكس وبوستات مكتوبة وبوستات مصورة وفيديوهات تصنع كوميدي علي هذا الحدث وكأنك أمام Brain Storm جماعي وأضخم ورشة في التاريخ لصناعة الأفيهات علي أي شئ، وكل شئ.
ثانيا السرعة: فالزمن بين “الحدث” و”النكتة” قد يكون بضع ثواني وهو ما يجعل الأمر لا يحتاج الي وقت حتي يصنع الأفيه، ولتدرك ذلك فإن علي الأقل الكاتب الساخر “أحمد رجب” عندما كان يكتب “نص كلمة” في جريدة أخبار اليوم كان يملك يوما كاملا ليفكر في كتابة فقرة كوميدية علي شخصية أو حدث او أي شئ، لتنشر في عدد اليوم التالي، لكن الآن هناك مليون أحمد رجب علي الفيسبوك لديهم القدرة علي كتابة نكتة بعد 3 ثواني من حدوث الحدث.
ثالثا الإتاحة: جعلت شاب بسيط يسكن في قرية صغيرة في منطقة نائية، يمكنه أن يكتب “نكتة” ليعيد نشرها الآلاف من سكان مصر لتنتشر وتصبح “تريند”.. بينما من 15 سنة لن يسمع تلك النكات سوي من 5 لـ 10 أشخاص يعرفهم في تلك القرية.
رابعا التوقيت: كان هناك وقت للتعرض للمحتوي الكوميدي، مثل مسرحية يوم الجمعة في التلفزيون، الفيلم الكوميدي في السينما، البرنامج الكوميدي بعد إفطار رمضان …الخ ، أما الآن ف أنت تري نكات وإفيهات 24/7 سواء علي الفيسبوك أو تويتر أو علي جروب الواتس أب مع الأهل والأصدقاء.
خامسا الرقابة: لايوجد رقابة في الفيسبوك، فأنت لديك الحرية أن تصنع أي شكل من أشكال الكوميدية، مهما كان مستوي إباحيتها ومهما كانت درحة سخريتها السياسية، بل وحتي السخرية من الأديان، تجد كل ذلك علي السوشيال ميديا.
النقاط السابقة أسهمت في التأثير علي مزاج المشاهد، وأصبح هناك صفتين في علاقته بأي محتوي: “الملل السريع”، “صعوبة التركيز”، “النقد”، بمعني أنه اعتاد علي أن كل يوم به شئ جديد، وكل أسبوع به تريند جديد، ولأن الأشياء كثيرة والمعروض ضخم، لم يعد يركز أكثر من “3 ثواني” حتي يأخذ قرار المتابعة أو الإغلاق، وكذلك قدرته علي التعليق بالسلب والإيجاب جعلته متفاعل ويشعر دائما بحتمية التعبير عن رأيه، في كل شئ وهو ما يجعله أحيانا يخلط بين ذوقه الشخصي، وبين جودة ما يراه.
كل ذلك بالطبع، وضع صناعة الكوميديا والضحك في أزمة؛ فكيف ستواجه كل ذلك؟ كيف ستضحك من يتعرض لكل ذلك الكم من المحتوي الكوميدي بشكل يومي؟
بالطبع رصد واهتمام منتجو المسلسلات لتحقيق بعض الشباب علي السوشيال ميديا نجاحات، سواء في كتابة “بوستات” كوميدية أو الظهور في فيديوهات كوميدية من تنفيذهم، جعلهم يروا أن الحل هو إعادة استخدامهم في صناعة المسلسلات بما يعني أنهم سيقدموا للمسلسل ما يقدموه علي الفيسبوك فسينجح المسلسل علي الفيسبوك، وحتي لو لم يستعينوا بهم.. فهم يطالبوا من يعمل معهم بالتفكير كما يفكر الناس علي السوشيال ميديا… لكن ذلك في النهاية لم ينجح بل بالعكس تسبب في مشكلة أكبر.
“كوميديا الإسكتش”
عندما تحدثنا عن انخفاض قدرة الجمهور علي التركيز، بأنها هي المحرك الرئيسي للإنترنت، ويمكنك أن تكتشف ذلك من خلال تطبيق “التيك توك” الذي حقق كل هذا النجاح والزمن الرئيسي للفيديو 15 ثانية (والحد الأقصي 60 ثانية)، وبالتالي الكوميديا التي ينتجها الإنترنت، تفضل “الإسكتشات” القصيرة التي يمكنك أن تشاهدها بدون أي سياق قبلها أو بعدها، فتضحك وشكرا.
عندما تسربت تلك الفكرة لصناعة المسلسلات الكوميدية، ومع الاستعانة بكتاب السوشيال ميديا الساخرين، بدأت تتحول المسلسلات من القصة والسيناريو الكوميدي، إلى معادلة أخرى: نخلق كاركتر كوميدي.. ويدخل في سلسلة من الإسكتشات المتوالية مع كاركترات أخري، في البداية حققت الفكرة نجاحا كبيرا مع المشاهدين خاصة مع حفاوة استقبالها من جمهور السوشيال ميديا، ولكن ظل الصناع يحافظون علي وجود إطار للمسلسل يربط تلك الإسكتشات ببعضها البعض حتي يصبح مسلسلا، وكان هناك جهد حقيقي في خلق ذلك الإطار.
فعندما تشاهد مثلا “ريح المدام” ممكن أن تقُل أنه يحكي عن رجل تسببت حادثة في فقدان زوجته لذاكرتها وفي كل يوم تستيقظ علي أنه شخص آخر، وفي كل يوم يحاول أن يقنعها بالزواج منه، ذلك الإطار أعطي لكل الإسكتشات والكاركترات مساحة، أن يتحول المسلسل لمقاطع قصيرة ولحظات كوميدية تنتشر علي مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن في نفس الوقت يمكنك أن تشاهد حلقة كاملة لتعرف ماذا حدث، لكن بمرور الوقت، انخفض اهتمام الصناعة بفكرة الإطار، خاصة أنه أحيانا يحد من مساحات الإسكتشات والمواقف السريعة.
أذكر بشكل شخصي أن مشكلة أحد مؤلفي المسلسلات الكوميدية وأحد أبطالها عندما رشح لهم مخرج وله بعض الأعمال الكوميدية السابقة، لم يتحمسوا لذلك الترشيح.. والسبب أنه معروف عنه أنه يريد أن يكُن هناك منطق في العمل.. فيسأل دائما عن “هو ده منطقي؟” لذلك رأوا أنه عائق أمام العمل لأن الضحك مافيهوش منطق!!
ومع ضعف الإطار أو اختفائه، بدأ المشاهد “الملول” بطبيعته الآن، أن يشعر بعدم الرضا عما يراه في المسلسل الكوميدي، والأغرب أنه بدأ يرجع عدم إعجابه إلى أن المسلسل تحول لمجرد “اسكتشات ورا بعض”! وهو ما سيجعل صناع المسلسلات في العام المقبل يطلبوا من المؤلفين ومن النجوم التفكير في تقديم قصة وإطار للمسلسل الكوميدي، خاصة مع نجاح مسلسل “100 وش” الذي لم يتعامل الناس معه في بداية رمضان علي أنه مسلسل كوميدي، ولكن تعلق الجمهور به وبالشخصيات التي فيه، وأصبحوا يروا أنه أكثر مسلسل كوميدي في رمضان بالرغم أن بطله وبطلته ليسوا من نجوم الكوميديا، ولكنها ” القصة” والاهتمام بتفاصيلها واختيار ممثلين مناسبين لها هو ما صنع ذلك.
في النهاية المسلسل الكوميدي مثل أي مسلسل يحتاج لقصة، وسيناريو، وحوار، يلتزم بقواعد فن الكتابة للدراما التلفزيونية ويحتاج أيضا لمخرج يهتم بكل التفاصيل، وعلي رأسها تحقيق عالم يجمع الأبطال، وتوجيه الأبطال للأداء الصحيح لكن هل القصة والسيناريو المحكم هو الحل الذي سيعيد المسلسل الكوميدي ليحقق إعجاب الجمهور.. أم أن هناك أمور أخري يجب تداركها… بالطبع هناك أمور أخري.. ولكنها يتشارك فيها المسلسل الكوميدي وكل المسلسلات الأخري.. وللحديث بقية.