في أساطير العرب المستحيلات ثلاثة،الغول والعنقاء والخل الوفي،والغول كائن خرافي وصفته القصص الشعبية والحكايات الفولكلورية بالوحشية والضخامة،أما العنقاء فهو طائر أسطوري عظيم ذو عنق طويل يخشاه الجميع لقوته الخارقة وكبر حجمه،وأما الخل الوفي فكلنا يعرف أنه وإن لم يكن من المستحيل وجوده فالعثور عليه أمر عسير المنال،ولهذا قال العرب أنه من المستحيلات الثلاثة التي وصفها قديما الشاعر صفي الدين الحلي قائلا:
لما رأيت بني الزمان ومابهم..خل وفي،للشدائد أصطفي
أيقنت أن المستحيل ثلاثة..الغول والعنقاء والخل الوفي
لذلك فقد أصبحنا حينما نريد وصف شئ صعب الحدوث أو مستحيل الوجود نقول عنه أنه من رابع المستحيلات.
أصيبت جدتي في سنواتها الأخيرة بالزهايمر فنسيت كل شئ إلا شيئا واحداً وهو أني لم أتزوج،فكانت تدعو لي في كل زيارة لها” يارب أشوفك في بيت العدل”،وكنت دائما ما أتوقف عند كلمة “العدل” وأسألها ضاحكة ” ليه هو أن معوجة؟”،وكنت ولازلت أسأل نفسي لماذا يعتقد الكثير أن المرأة يظل حالها مائلا حتى تجد ” الباشا اللي هيعدلهولها”، ولماذا تؤكد أمثالنا الشعبية أن ” ضل راجل ولا ضل حيطة “؟
لن أعترض مؤقتا على المثل ولكن دعوني أسأل عن الرجل الذي يتميز ظله بأنه أفضل من ظل الحائط،لا بل دعوني أسأل أولا من هو ذلك الرجل؟ ثم ماذا تعني كلمة رجل؟ فالرجولة كلمة واسعة فضفاضة،وليس كل كائن امتلك صفات الذكورة التشريحية هو بالضرورة يمتلك حظا من الرجولة؟ ليس كل من ربى شاربا أو أطلق لحية هو رجل،ليس كل من امتلك عضلات في ذراعيه أو في حنجرته هو رجل،ولا أدري هل كانت صدفة أم تدبيراً أن تأتي كلمة رجولة على وزن بطولة،فهل من يكذب على إمرأته بطل؟ وهل من يخونها بطل؟وماذا عن من يخذلها؟ هل هو بطل؟ هل هو رجل؟ هل كل ” رجل ” رجل؟
للأسف ماتت جدتي قبل أن أقول لها أن هذا الرجل الذي أرادته زوجا لي يدخلني ” بيت العدل” أصبح مستحيلا رابعا، فأين هو ذلك الرجل ” الرجل”؟ أين هو الرجل ” الذي بمجيئه تتغير الأقدار “؟ الرجل الذي يبقى ليطمئن،الذي يحنو ويحتوي ويسند،رجل يعرف أن ” شرف الرجل هو الكلمة “.جبت العالم أرضا وبحرا وجوا ممسكة عدستي المكبرة علني أجد أثرا لهذا الرجل أضعه في متحف التاريخ ليتذكر الناس أنه في يوم ما في هذا العالم كان هناك ” كائن ” اسمه رجل،و” شئ ” اسمه رجولة،حتى جاء..جاء بلا سابق إنذار،جاء واثقا هادئا رابط الجأش،جاء قويا حنونا متفهما،جاء صادقا محبا، جاء الرجل ” الرجل” بحضوره الهادر وغيابه الآسر،هكذا جاء ” مراد السويفي” الرجل الحلم،حلم كل إمرأة قوية متحققة،لا تبحث عن ظل رجل ولا تنتظر “بيت عدل”،فحالها ليس مائلا وحياتها بخير من قبله،أتى ” مراد ” ليضيف لحياتها مذاقا جديدا،أتى لتعرف معه طعم أمان ندر وشح،أتى لتكف قليلا عن التفكير وتسلم له زمام أمورها،فقد تعبت من أن تكون إمرأة،فهل تعرف معنى أن تكون إمرأة؟
لا أقصد بهذا السؤال أن تخلع بدلتك و تحلق شاربك ..فقط أطلب منك أن تستعيرإحساس إمرأة للحظات ربما بعدها تكون رجلا ” بجد “، أن تكون إمرأة هو أن تكون مطمعا ” للي يسوى واللي ما يسواش “..الكل يجرب حظه و ” محدش خسران حاجة ” و ” أهي محاولة.. مش يمكن ؟ ” و ” ليه لأ..إيه اللي يمنع ؟ “..هو أن يكون مشهد اللعاب و هو يسيل مشهد يومي تلعب بطولته رغما عنك أمام رجال إعتقدوا أن جميع النساء سواء و أنهن كلهن مستباحات و أن أيا منهن هي رهن إشارة منه..فهو يشير و هي ليس لها إلا أن تهلل فرحا ب” التكريم “..فقد قرر ” اللي مفيش منه ” أن يستغلها وقت فراغه..”وهي تطول ؟! “.
دوت أجراس إنذارها حينما قابلت ” مراد السويفي”،وكيف لا وهي أضعف من أن تواجه أمواجه الهادرة،أو أن تختبئ من وقع نظراته الكاشفة،لقد نفدت بطاريات مقاومتها، وأدركت أنه لا سبيل للهروب منه فهو ليس رجلا لكنه ” الرجل “،ثم لماذا هي تخاف الاستسلام؟وهل كل الاستسلام شر؟أو ضعف؟ أخيرا أدركت أن الاستسلام إن كان شرا فهو شر لابد منه أحيانا،وإن كان ضعفا فهو ضعف صحي،بل إن الضعف أحيانا هو منتهى القوة،وأن الشر أحيانا هو خير مبطن،من اليوم إذن ستفكر فيه وستطلق العنان لخيالها،من اليوم ستقترب جدا منه،تحلم به وتقابله،سيشغل الخيال والواقع،وسيكون ” مراد السويفي” المستحيل الذي غدا ممكنا،والغريب الذي صار حبيبا، ستتحدى العالم به ومن اليوم ستعلنها على رؤوس الأشهاد أنها تحبه.
” هتتسحري إيه النهاردة ؟” سألتها أمها وهي تضع أمامها كأس ” الخشاف” الذي تحبه كثيرا،لتكتشف أنها نامت أمام جهاز التليفزيون وهي تشاهد مسلسل ” ونحب تاني ليه “،أدركت أنها كانت تحلم وأن هذا ” المراد السويفي” هو رجل نسجه ببراعة خيال ” عمرو محمود ياسين” مؤلف المسلسل وجسده بأدائه السهل الممتنع ” كريم فهمي”، وأن مراد الذي ذهب لغالية يبحث عنها لأنها لم ترد على اتصالاته خيال،وأن مراد الذي لحق بغالية إلى موقع التصوير مفاجئا إياها في نفس اللحظة التي أغلقت فيها هاتفها وهي تحادثه باكية طالبة منه أن يتركها وشأنها هو أيضا خيال،وأن مراد الذي أحب غالية واحتواها والذي والذي والذي…إلخ ليس له وجود إلا في خيال” عمرو محمود ياسين” وأحلام فتيات كثيرات..فلنكتفي إذن بظل الحائط نستظل به مادام الرجل ليس ” مراد السويفي”.
تقرر أن تستيقظ من أحلامها وهي تصلي مع الكاتبة ” أحلام المستغانمي” متذكرة مقولتها:
“أيها الرجال الرجال سنصلي لله طويلا كي يملأ بفصيلتكم مجددا هذا العالم وأن يساعدنا على نسيان الآخرين “.