إياد صالح
في كل رمضان، ومع البدء في نقد المسلسلات التي تعرض، تظهر عبارة “المشكلة في الـ 30 حلقة، أكيد لو الحلقات أقل كان هيبقي أحسن بكثير”.
يردد تلك العبارة الكثيرون، يقولها النجوم، النقاد، الصحفيون، بل والجمهور علي مواقع التواصل الاجتماعي، والتي مع تكرارها تحولت إلي “الحل” الكلاسيكي الذي يجب أن تذكره في أي نقاش حول ضعف أو تراجع مستوي أي مسلسل.
ولكن في حقيقة الأمر ذلك الحل ليس صحيحا وليس حقيقيا بل وأسطورة أطلقها العاملون في صناعة المسلسلات، فكررتها الصحافة، فتبناها الجمهور، فصدقها الجميع بمرور الوقت.
لماذا هي أسطورة ويمكن أن تعتبرها أكذوبة؟
أولا: لا يوجد أي دراسة أو بحث في العالم، يحدد الزمن المثالي للمسلسل التلفزيوني لضمان جودته، فالكلام عن 7 حلقات أو 10 حلقات أو 13 حلقة.. إلخ كلها أمور ترتبط بوسائط العرض وليس بالجودة الفنية للمسلسل، بمعني، في القناة التلفزيونية، تقسم السنة إلي 4 دورات تلفزيونية، تنقسم كل دورة إلي 3 شهور، ولأن في كل 3 شهور هناك 13 أسبوع فدائما ما كان الموسم الواحد من البرنامج أو المسلسل هو 13 حلقة، (وذلك في حالة إذاعة حلقة واحدة في الأسبوع) و26 حلقة في حالة إذاعة حلقتين في الأسبوع.. وهكذا، وهو ما ستلاحظه في كافة المسلسلات الأمريكية في فترة التسعينات، وهو كذلك أمر مرتبط بالمعلنين الذين تقدم وتتعاقد معهم القناة علي حملاتهم في كل 3 شهور بناء علي المحتوي التي تستعد لبثه.
وهو ما تحول لدينا في مصر لمسلسلات الموسم الواحد 60 حلقة، تعرض منها 5 حلقات في الأسبوع، ويعاد في آخر أسبوع ملخص للمسلسل فيتم عرض المسلسل في 3 شهور (13 أسبوع).
وسأذكر لك هنا أن في التسعينات ومطلع الألفية كان هناك الكثير من المسلسلات الرمضانية تتكون من أكثر من 30 حلقة بناء علي طلب المحطات ليكون لديها حلقات تعرضها في أسبوع العيد، مثل مسلسل لن أعيش في جلباب أبي 1996 ( 36 حلقة ) الحاج متولي 2001 ( 34 حلقة) مسلسل ريا وسكينة 2005 ( 35 حلقة )، وغيرها.
ثانيا : أن الحجة التي يسوقها الكثيرون، أن في الماضي كان هناك أعمال خالدة وعظيمة وكانت فقط 15 أو 12 أو 21 حلقة، مثل ليالي الحلمية ج1 ( 18 حلقة ) أو ذئاب الجبل ( 18 حلقة ) أو رأفت الهجان ج 1 ( 14 حلقة )، وهي تظل حجة، لأن في نفس تلك السنوات كان هناك الكثير من المسلسلات الضعيفة فنيا، وبعضها رديء، بالرغم من أن عدد حلقاتها قليل، لكننا نتذكر فقط الأعمال الناجحة ونقيس عليها، وكذلك لأن بعض تلك الأعمال لم تكن تعرض في شهر رمضان.
ثالثا : المنصات الديجيتال في البداية كانت تقدم المسلسل بعد عرضه في القنوات التلفزيونية، لذلك لم يكن لها حرية اختيار عدد الحلقات، ولكن بعد أن بدأت المنصات في إنتاج محتواها الخاص بها والذي يعرض أولا علي المنصة، بدأ الحديث عن عدد الحلقات.
وبالرغم من ذلك في أول مسلسل أنتجته نتفلكس وهو House of cards وقررت أن تضع الموسم كاملا في يوم واحد علي الإنترنت إلا أن الموسم الأول كان 13 حلقة (وكذلك المواسم اللاحقة)، لأنها كانت تريد أن تعرضه أيضا علي محطات تلفزيونية بعد عرضه أون لاين، لكن بمرور الوقت تغيرت استراتيجية المنصات مثل نتفلكس ووجدت أنها تحقق أرباحا كافية من العرض أون لاين فقط، وأن ليس كل أعمالها الخاصة يجب أن تنتقل للتلفزيون، وهنا بدأ التفكير في إنتاج مسلسل بعدد حلقات مختلف، سواء 8 أو 10 أو 4 حلقات، والمعيار هنا له علاقة بالقصة وبالتكلفة الإنتاجية.
رابعا: هناك تجارب لإنتاج مسلسلات في رمضان يكون عدد حلقاتها 15 حلقة فقط، مثل تجربة حكايات وبنعيشها والذي كان يقدم مسلسلين كل واحد منهم 15 حلقة بمؤلف ومخرج مختلف في رمضان، وخارج رمضان هناك تجارب لتقديم مسلسلات تجمع قصص مختلفة بعدد حلقات مختلفة (مثل قسمتي ونصيبي | القصة 3 حلقات / 5 حلقات) إلا أنا (القصة 10 حلقات).
وفي نفس الوقت هناك تجارب لمسلسلات أطول مثل عائلة الحاج نعمان ( 70 حلقة ).. وهنا يمكن أن تلاحظ أن كثيرا من الأعمال قليلة الحلقات لم تنجح، وكثير من الأعمال طويلة الحلقات حققت نجاحا كبيرا.. والعكس كذلك.. إذا الأمر ليس له علاقة بعدد الحلقات.
إعادة اختراع العجلة / إعادة اختراع رمضان
الأمر بسيط، نحن لدينا موسم عرض واضح اسمه “شهر رمضان” وسلوك الجمهور لم يتغير منذ سنوات ففي كل عام ينتظر الجمهور في رمضان المسلسلات ويتابعها ويتحدث عنها، حتي الجمهور الذي لا يشاهد مسلسلات في الشهور الأخري، يشارك الناس ويشاهد في رمضان، لذلك فهو موسم واضح مثل مواسم السينما المعروفة (مثل عيد الفطر في مصر) أو (الكريسماس في أمريكا)، والتي يتم طرح الأفلام الأهم والأضخم فيها لتحقيق أرباح كبيرة بناء علي أنه موسم قوي للقوة الشرائية.
ولأن رمضان 30 يوم ( 29 بحد أدني )، وهو أمر لا يمكن أن نغيره أو نعدله، فالطبيعي أن نقدم للجمهور مسلسلا من 30 حلقة لأنه الرقم الأكثر تحقيقا للأهداف الإنتاجية والإعلانية والتسويقية؛ لذلك يجب أن يكون السؤال (كيف نصنع مسلسلا 30 حلقة ممتع وجيد فنيا؟) وليس (كيف يمكن أن نجعل رمضان 13 يوم؟).
الفكرة هنا تعيدنا لكلام تكرر كثيرا في هذه المقالات، أن ضعف المسلسلات فنيا، يبدأ من أن الكاتب لا يأخذ الوقت الكافي لكتابة الحلقات، والمخرج لا يأخذ الوقت الكافي لتصوير الحلقات، وكذلك الممثل والمصور والمونتير وجميع العاملين في المسلسل يعملون تحت ضغط البدء في العمل قبل الموسم بأيام قليلة، بل ويعرضوا العمل وهم ما زالوا لم ينتهوا من تنفيذه، وبالتالي ينتهي بهم الأمر لأن يري الجمهور أن هناك مط وتطويل وأخطاء ومشاكل.. إلخ.
عدد الحلقات لم ولن يكُن أبدا هو الحل، هناك مسلسلات من 7 حلقات سيئة، وهناك مسلسلات من 52 حلقة رائعة.
الأمر هنا متعلق بالوقت والتحضير والقصة والعوامل الإنتاجية التي منها نحدد ونقررعدد الحلقات التي تستطيع أن تقدم فيها أفضل عمل فني.. ولكن لو كان الهدف العرض في رمضان.. فيجب أن نختار قصة / وزمن للكتابة والتحضير / وزمن للتصوير/ وزمن لأعمال مابعض التصوير)، يناسب أننا نقدم مسلسلا من 30 حلقة ليعرض في رمضان.
الملل والتطويل وغيرها من المشكلات هي أعراض لمرض اسمه مشاكل صناعة المسلسلات الرمضانية، وليس لمرض اسمه الـ 30 حلقة.. وللحديث بقية.