تحليل يكتبه: محمد عبد الرحمن
عكس التوقعات، ورغم شبح كورونا، انتهى موسم دراما رمضان 2020 والإشادات بارتفاع المستوى العام تأتي من الخارج أكثر من الداخل، وعاد الاهتمام العربي بالدراما المصرية بعد سنوات من تراجعها لصالح السورية والخليجية، وتراجع النبرة الغاضبة من مستوى الأعمال خصوصا عبر مواقع التواصل الإجتماعي سواء الانتقادات التلقائية التي تخرج من الجمهور العادي أو تلك الموجهة التي كانت يطلقها البعض في إطار السعي الدائم لحصار الفن المصري ورفع راية تراجعه التي سرعان ما احترقت بمجرد ما استعادت الدراما المصرية مكانتها، وهي الاستعادة التي اعتبرها بشكل شخصي بداية الطريق نحو ريادة وسيادة نحن أحق بأن نتمتع بها لسنوات طويلة مقبلة كما كانت طوال القرن العشرين وتعويضا عن سنوات التراجع التي بدأت في العقد الثاني من القرن الحالي.
بدون مبالغة عبرت الدراما المصرية حاجزا هو الأصعب كونه مزدوجا، الأول ارتبط بالتربص الدائم بالطريقة التي يدار بها السوق خصوصا بعد قرارات خفض حجم الإنفاق والتأكيد من تناسب المحتوى مع ما يجب أن تشاهده الأسر المصرية في ليالي رمضان، والثاني جائحة كورونا التي دفعت البعض للمطالبة بإلغاء الموسم كله، ليتحقق العكس تماما ويصبح موسم كورونا أقوى من مواسم لم تشهد كل هذه التوترات التي سببها الوباء المخيف.
النقاط التالية أحاول من خلالها الإجابة على السؤال الأساسي، لماذا ارتفع مستوى الدراما المصرية في رمضان 2020؟.. فهيا نبدأ:
1- التنوع، هي كلمة السر التي يجب على مخطط أي موسم استخدامها كونه يقدم قرابة 20 مسلسلا دفعة واحدة لجمهور عريض متعدد الاهتمامات، بالتالي لا بد أن لا يشعر المتفرج بأن عملا واحد أو اثنين يكفيه لأن الباقي متشابه، وأن كل الأنواع الدراما موجودة، حربي، ميلودراما، خيال علمي، اجتماعي،كوميدي، رومانسي، بوليسي، فحتى لو كنا نتكلم عن الإنتاج الفني باعتباره قوة ناعمة وهو أمر معنوي، لكنه في النهاية سوق بالمعنى التجاري والتعددية وعدم التكرار أمر مهم حتى لا يشعر المتفرج أنه مرغم على أنماط درامية معينة.
2- ضبط الميزانيات، لا نملك أرقاما دقيقة حول تكلفة مسلسلات هذا الموسم، لكن المؤشرات تقول أن التكلفة تراجعت إلى النصف تقريبا بالمقارنة بمواسم كانت أجور النجوم وحدها تبتلع ثلثي تكاليف الإنتاج، الأمر الذي كان يجعل التفاصيل الإنتاجية والفنية تأتي في المرتبة الثالثة من حيث الاهتمامات، بعد أجر النجم الرئيسي وأجور نجوم الأدوار الثانية، فعانت مسلسلات عديدة من تراجع المستوى وكان النجم يعوض ذلك بإطلاق بيانات زائفة عن تصدره للترند وشراءه للمشاهدات، في هذه الموسم لم يحتاج الكثيرون لكل ذلك، حيث تم توزيع تكاليف الإنتاج ما بين الأجور والتفاصيل الفنية، ورغم الأخطاء التي رصدها المتفرجون قبل المختصين، ورغم إلغاء ديكورات عديدة وسفريات كثيرة بسبب كورونا، لم يشعر المتفرج أنه يشاهد أعمالا تم تصويرها ومونتاجها على عجل، ولأول مرة يشيد الكثيرون بالفنيات وليس فقط أداء الممثلين، وأخص بالذكر هنا مسلسلات “الاختيار” و”الفتوة” و”النهاية” فكلها تمتعت بمستوى فني عالي، من تصوير وديكور ومؤثرات بصرية وصوتية وملابس وماكياج.
3- موسم الاختيار، بعد سنوات عندما تستعيد الذاكرة مسلسلات موسم رمضان 2020 سيربط الباحث بين تاريخ السنة ومسلسل الاختيار، المسلسل الذي تحمل بمفرده ربما نصف الاهتمام بالموسم ومسلسلاته، أول عمل درامي عربي حربي بهذا المستوى، أول عمل يجمع الناس حوله بهذا الشكل، نتكلم عن العمل الحالة مع الاعتراف بوجود بعض الملاحظات الفنية ومع التمني بأن يصبح بداية لأعمال عسكرية ومخابراتية على نفس المستوى، لا يشترط أن تنتظر كلها شهر رمضان من أجل أن يتابعها الجمهور فمنصات المشاهدة تتحمل الآن أن يطلق حصريا من خلالها مسلسلات محدودة الحلقات حول ملفات ومهام معينة توجه لجمهور هذه النوعية من الدراما لكن سيظل صاحب السبق في هذا الترند لو استمر هو الإختيار المعروض في رمضان 2020.
4- رد الفعل الإيجابي، أبرز المخاوف التي وضعها صناع الدراما في حساباتهم، أن هذا الموسم يشهد باقي الملايين في منازلهم أي أن أحكامهم كمشاهدين ستكون أكثر قسوة، لكن العكس حدث، معظم الانتقادات كانت فنية، اللهم إلا في مسلسل أو اثنين قال معظم المتابعون أنهما أقل من المستوى، ومع ذلك جاءت الانتقادات دليلا على أن الجمهور أقبل عليهم، فهناك مسلسلات أقل في المستوى لكنها لم تحظى أصلا بانتقادات لأن صناعها افتقدوا الجاذبية منذ البداية، لأول مرة في موسم رمضاني ربما منذ عام 2012، نقرأ ونرصد آراء إيجابية عن هذا الكم من المسلسلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الاختيار، الفتوة، البرنس، النهاية، خيانة عهد، بـ100 وش، ونحب تاني ليه، اللعبة، 2 في الصندوق، ولو عدنا بالذاكرة لمواسم سابقة سنجد أن المعتاد وقتها الخروج من الموسم بمسلسلين أو ثلاثة على أقصى تقدير فيما يدخل الباقي غرفة النسيان، وهو ما لا أظن أن يحدث مع المسلسلات الجيدة في موسم 2020 والمحك سيكون مع أول إعادة لتلك المسلسلات، هل سيقبل عليها الجمهور الذي فاتته المشاهدة الأولى؟ الإجابة في تقديري هي نعم.
5- عودة البرنس، كسبنا في هذا الموسم عودة محمد رمضان بعيدا عن فوبيا نمبر وان، فحقق نجاحا لم يتكرر منذ مسلسل “الأسطورة” قبل 4 سنوات، مع فارق كبير أن النجاح هذه المرة بدون انتقادات وبلاغات ومشاهد يعتبرها الكثيرون مسيئة، كما سجلت العديد من الدول العربية اهتمامات بالمسلسل وبالشخصيات التي قدمها رمضان إلى جواره، في الوقت نفسه ورغم الانقسام حول مستوى مسلسل “النهاية” فإن هذا العمل حقق نجاحا كبيرا عند الشباب الذي يهتم بالأساس بدراما الخيال العلمي، ربما ما زلنا بحاجة لضبط السيناريو أكثر والحرص على منطقية تمنع المتفرج من رصد التناقضات، لكن الإشادة واجبة بجرأة إنتاج هذا النمط من المسلسلات، وأقول دائما أنني لا أفضل هذه النوعية من الدراما بشكل شخصي لكنني تعلمت من الأساتذة أن أحترم اهتمامات الجمهور ولا أصادر عليها، وهذا المسلسل حظى بإقبال كبير سواء من جمهور يوسف الشريف أو من محبي الخيال العلمي، ويكفي أن إحدى الجروبات التي قرصنت حلقات المسلسل اشترك بها قبل الإغلاق قرابة 400 ألف شخصا، أي أن هناك 400 ألف متفرج كانوا ينتظرون الحلقات يوميا عبر هذه القناة غير الشرعية فقط !.
6- موسم تألق الممثلين، تعالى معي لمسلسل “الفتوة” على سبيل المثال، هو بطولة ياسر جلال نعم، لكن إلى جواره وبنفس المساحات تقريبا وقف فنانون مثل أحمد صلاح حسني ومي عمر ونجلاء بدر وضياء عبد الخالق، ثم ظهرت فئتان من الممثلين إلى جوار هؤلاء، الأولى الشباب مثل ليلي زاهر ومها نصار وأحمد خالد صالح ومحمود عمرو ياسين، والجراندات، رياض الخولي وأحمد خليل وإنعام سالوسة وعهدي صادق، كاست متناغم لا أفضلية مطلقة للنجم فخرج العمل متكاملا إلى حد كبير، طبق نفس القاعدة على معظم المسلسلات التي تصدرت السباق ستدرك إلى أي مدى كانت وضع السقف الأعلى لأجور النجوم ضروريا لفتح الباب أمام تدعيم فريق الممثلين بأهم المواهب، كما لا يمكن إغفال أن موسم رمضان 2020 شهد عودة نجم مصر الأول في الأربعين عاما الأخيرة عادل إمام للشاشة مرة أخرى من خلال “فالنتينو”.
7- طبيعي أن تحمل بعض المسلسلات أسماء نجومها، لكن أن يصل الأمر للدفع بأنصاف الموهوبين نجوما وإلغاء دور المخرج والمؤلف كما حدث في مواسم سابقة، فالمتضرر الأكبر كان الدراما المصرية، التي يمكن رصد درجة استعادة عافيتها هذا الموسم بعودة الإشادات بمؤلفي ومخرجي معظم المسلسلات الناجحة، محمد سامي مؤلفا ومخرجا للبرنس، أحمد وائل وعمرو الدالي وكاملة أبو ذكري في بـ100 وش، باهر دويدار وبيتر ميمي في الاختيار، هاني سرحان وحسين المنباوي في الفتوة، أحمد عادل وسامح عبد العزيز في خيانة عهد، عمرو سمير عاطف وياسر سامي في النهاية، وغيرهم الكثير فهذا تحليل وليس رصدا شاملا.
لعدم الإطالة أكتفي بما سبق من ملاحظات، لكن الموسم المتخم بالتفاصيل مليء بما هو أكثر، فمثلا يمكن اعتباره الأقل تضررا من الإعلانات وفواصلها، والأقل مطاردة من الجهات الرقابية ومجالس الإعلام والمرأة والطفل بسبب الالتزام بعدم بث التجاوزات بدعوى الواقعية، وكذلك انتعاش منصات المشاهدة والتي أتوقع أن يكون لها دورا أكبر ابتداء من الأسابيع المقبلة لتبني على ما حققته في رمضان حتى نستقبل موسم رمضان 2021 وقد تخطت الدراما المصرية ما تستحق من حدود.
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر اضغط هنا