كنا قبل شهور قد تحدثنا من خلال سلسلة “كونترول رووم” عن مهنة المنتج الفني أو البروضيوصر / البروديوسر.. وتحدثنا عن أهمية هذا الشخص ودوره كــ “حلقة الوصل” بين جميع من يعمل بتلك الغرفة المظلمة “الكونترول رووم” .. ولكننا وقتها لم نتطرق إلى الطريقة التي يتمكن من خلالها المشاهد من الحُكم على المنتج الفني، كيف يتمكن المشاهد العادي من أن يقول ” البروضيوصر بتاع البرنامج دة بيفهم… الله ينور” .. وهذا ما سنفعله في تلك السلسلة.. فهيا بنا.
نظراً لكثرة المهام الملقاة على عاتق “البروضيوصر” نظرياً، فأعتقد أنه من أكثر الشخصيات التي يمكننا الحكم على أداؤه، فهو وطبقاً للتعريفات الحديثة في عالم الإعلام تتيح له وظيفته أن يكون “الكل في الكل” .. فمتى يمكننا (كمشاهدين) الشعور بتأثيره سلباً أو إيجاباً؟؟ .. متى نقول له عيب و ميصحش؟ ومتى نحييه قائلين ” الله ينور” ؟
الحقيقة أن في هذه المهنة تحديداً، الأمر غاية في السلاسة والبساطة، فإذا جلست لتشاهد برنامجاً تلفزيونياً يُبث على الهواء مباشرة أو كان مسجلاً، بدون أن تشعر بوجود أحد إلا المذيع، فأنت تُشاهد برنامجاً تلفزيونياً منضبطاً، له منتج فني واعٍ وعلى قدر كبير من الخبرة والقدرة على قيادة البرنامج بدون هنات أو سقطات، إذا كان المنتج الفني متمكن من أدواته، فلن يسمح بأن يبدأ البرنامج بعد أو قبل موعده، ولو بدقيقة واحدة.
لو كان المنتج الفني متمكن من أدواته، فلن تلاحظ لحظات صمت يعيشها المذيع بسبب تلقيه معلومات/ تعليمات من أياً من الزملاء الموجودون بالكونترول رووم.
لو كان المنتج الفني متمكن من أدواته، سيشعر المشاهد على الدوام بأن هناك حالة من التناغم والسلاسة أثناء عرض الحلقة.
لو كان المنتج القني متمكن من أدواته، ستجد أن للتقارير المذاعة معنى، وقيمة معلوماتية/ بصرية حقيقية تضيف إلى الحلقة وليست مجرد دقائق (نملأ بها وقت الهواء).
لو كان المنتج الفني متمكن من أدواته، سيسير البرنامج على خريطة زمنية/ معلوماتية صارمة ولن يحيد عنها أبداً، فللبرنامج هوية واضحة، زمن محدد، شكل ثابت لا يمكن تغييره أو العبث به إطلاقاً.
ولأنني أعمل بالإعلام منذ سنوات طويلة، فإن هناك عشرات الأمثلة التي تتدافع في ذهني حالياً، والتي يمكنني أن أطرحها عليك لأشرح لك المزيد عن تمكن المنتج الفني أو فشله… ولا أخفيك سراً إن قلت أنني خائف للغاية من ذكر أسماء برامج أراها متميزة وارى للمنتج الفني فيها بصمة واضحة، بقدر خوفي وتوتري من ذكر أسماء لبرامج أرى أنها برامج دون المستوى بسبب “فشل” المنتج الفني فيها أو بسبب عدم وجوده داخل هيكل البرنامج أساساً، لكنني سأستجمع شجاعتي وأعطك هذين المثالين:
هو واحد من أنجح البرامج التلفزيونية التي تم إنتاجها بمصر منذ سنوات، كان على مذيعه ان يواجه ما يقرب المائة شخص بالمسرح بشكل أسبوعي، ليلة الأربعاء، ليذاع البرنامج على الشاشات مسجلاً ليلة الجمعة … إنه “البرنامج” لمذيعه (باسم يوسف).
قل ما شئت عن (باسم)، وفريق عمله من الكتاب والباحثين، امدحهم أو اختلف معهم، فهذا ليس موضوعنا، لكنني ادعوك لأن تفكر قليلاً في الجهد الذي يبذله المنتج الفني لهذا البرنامج، بشكل يومي بداية من حضور جلسات الكتابة، وحث الكتاب على الانتهاء من الحلقة سريعاً، ثم التعامل مع فريق الإنتاج كاملاً، لكي يأتوا بالإكسسوارات المطلوبة، والملابس التي يحتاجها الإستعراض، أو الدمية التي بنى عليها فريق الاعداد فقرته، العمل مع فريق البحث (الضخم) على المادة الفيلمية التي تذاع بالتقاطع مع النص المكتوب للمذيع، وفريق المونتاج الذي يعمل على قص تلك المادة الفيلمية بشكل صحيح وبلا أخطاء… العمل مع الستايلست لإختيار الملابس للمذيع والراقصين والممثلين، العمل مع الموسيقار الذي يقوم بتوزيع الأغاني، التواصل مع ضيف الحلقة، والاتفاق معه حول مضمون الحلقة.. وتنسيق وترتيب كل ما سبق مع مخرج الحلقة، كل هذا وأكثر كان يقوم به المنتج الفني للبرنامج بشكل متواصل ومستمر، بلا كلل منذ إذاعة الحلقة الأولى من هذا البرنامج “الفلتة” عبر الإنترنت وحتى إذاعة آخر حلقاته عبر فضائية (MBC مصر) مروراً بمرحلتي (ON TV) و (CBC) .
جهد لا يُمكن إنكاره، لمنتج فني رائع يجب أن نقول له “الله ينور”، وهو بالمناسبة سيدة وزوجة وأم.. اسمها هند رضوان.
هو البرنامج الذي يتحدث مذيعه بلا وجل مع طاقم العاملين بالاستديو بلا انقطاع، يعنفهم ويسبهم احياناً، برنامج بلا ضابط او رابط، ليس له وقت بداية محدد، وليس له وقت نهاية معروف، يبدأ حين يريد المذيع وينتهي حين يمل أو يتعب.. البرنامج الذي نسمع فيه الفاظاً غير منضبطه، ونشاهد فيه المذيع ينام وينفعل على فريق عمله ويفصلهم على الهواء مباشرة، هذا طبعاً بصرف النظر عن المحتوى الذي قد نتفق معه أو نرفضه، البرنامج الذي لا يوجد ضمن فريق عمله شخص واحد يقوم بدور المنتج الفني/ الفرامل لهذا المذيع.. برنامج السيد (توفيق عكاشة) مالك قناة الفراعين.. فهو نموذج للفشل الإعلامي على أي مقياس يعجبك، وطبقاً لكل صفحات ونظريات ومدارس الإعلام.
وإلى اللقاء في حلقة قادمة
لكم المودة بلا حدود.
.