نقلا عن جريدة المقال
لعل الرئيس السيسى قد عرف الآن أن الأزهر لن يخطو خطوة واحدة فى التجديد الدينى الذى يدعو له الرئيس وينيط مسؤوليته بمنتهى البراءة إلى مشيخة الأزهر.
لعل الرئيس قد عرف (لو لم يعرف تبقى مصيبة على أجهزته المعلوماتية) أن وثائق ويكيليكس قد كشفت هذه العلاقة المتينة التى أرهقنا أنفسنا كثيرًا فى كشفها وتحليلها بين الأزهرية والوهابية.
نعم الوهابية بضيق أفقها وتعصبها المذهبى المقيت وكراهيتها للآخر، سواء غير مسلم أو غربى أو امرأة أو مذهب دينى آخر، قد اخترقت الأزهر بل وتدير عقليته من فوق ومن تحت.
الوثيقة التى سأعتبرها صحيحة طالما أن بيان وكيل الأزهر لم ينف ما فيها،
وإن برر كالعادة ما بها، موجهة إلى خادم الحرمين الشريفين رئيس مجلس الوزراء «يحفظه الله»، وموقعة من وزير خارجيته سعود الفيصل بأنه:
«أتشرف بالإشارة إلى الأمر الكريم رقم 22184 وتاريخ 26/4/1433، بشأن ما أبلغه شيخ الأزهر للسفير فى القاهرة خلال لقائه بمكتبه فى 14/9/1431 بأن الإيرانيين يضغطون بالموافقة على عقد اجتماع للتقارب بين المذاهب وأنه لا يرغب فى الانفراد باتخاذ قرار بهذا الشأن قبل التنسيق مع المملكة حياله، وعبر عن رغبته فى توجيه الدعوة إلى معالى رئيس مجلس الشورى ومعالى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وما قضى به الأمر الكريم بشأنه أرى إذا استحسن النظر الكريم إبلاغ شيخ الأزهر بهذا المنظور عن طريق السفير فى القاهرة، ويقترح عليه التفاهم سويًّا فى هذا الموضوع وتقديم دعوة لفضيلته لزيارة المملكة، للتفضل بالاطلاع والتوجيه، والله يحفظكم ويرعاكم ويديم عزكم».
انتهت الوثيقة ولن تنتهى جروحها
شيخ الأزهر هنا يطلب التنسيق (الحمد لله أنه لم يقل إنه يطلب الإذن) مع ملك السعودية فى شأن من شؤون الأزهر.
الأزهر الذى يقول عن نفسه إنه مستقل عن الدولة المصرية، هو فعلا مستقل عنها، لكن يبدو أنه ينسق مع دولة أخرى هى السعودية، حتى إنه يطلب إذنه فى الموافقة على عقد اجتماع، مجرد عقد اجتماع ليس إلا، ما بالك بما سيقوله أو ينتهى إليه الاجتماع، فإذا كان مجرد عقد الاجتماع يطلب قرارًا ورأيًا (هل أقول إذنا!) من ملك السعودية فلا بد أن مجريات الاجتماع ونتائجه تحتاج إلى أكثر من التنسيق (لا أقول أمرًا!)
شيخ الأزهر لا يتخذ قرارًا ولا يحرك أمرًا هامًّا ورئيسيًّا من صلب مهمة الأزهر إلا بالتنسيق مع المملكة.
خذ بالك إنه يطلب من الملك وليس من جهة دينية مباشرة أو هيئة علمية مناظرة.
ولننتبه فهو يستنسق (لا أقول يستأذن) فى شأن أزهرى صميم، بل ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخه فى الحض على التقريب بين المذاهب وإعلاء قيم الحوار والتسامح.
هذه وثيقة مخجلة سوف يطأطئ الجميع رؤوسهم تواطؤًا على السكوت عليها.
بل للأسف سوف يصطنع لها المصطنعون أسبابًا ويختلقون لها مبررات كلها تراوغ عن حقيقتها المفجعة أن الأمر ليس أمر تنسيق بل أمر استئذان.
تراوغ عن حقيقتها المفجعة أن الأمر ليس أمر تنسيق بل أمر استئذان.
إن الوهابية التى هى عكس ونقيض الإسلام الوَسَطِى الذى يتبناه الأزهر، هى التى تتحكم لأسباب كثيرة بالأزهر وسياسته.
ليعرف الآن من لا يعرف ومن لا يريد أن يعرف، أن صيحات الفتنة المذهبية التى تخرج من جنبات الأزهر وأن إشعال نار الصراع المذهبى بين المسلمين الذى نرى أواره من وراء أسوار الأزهر يتماشى تمامًا مع المهمة الوهابية الرهيبة الممولة والمدفوعة بالمليارات من الريالات، التى تمزق الوطن العربى بين سنة وشيعة، وتدعم الجماعات والجمعيات والحركات والوعاظ والدعاة من مشعلى الحرائق المذهبية.
أثق فى أن شيخ الأزهر بأخلاقه السامقة لن يكذب فينكر أو يتنكر لهذه المعلومات الواردة فى الوثيقة.
وأثق فى أن الرئيس السيسى بدماثة أخلاقه وأدبه الجَم لن يصارحه ولن يواجهه بفحوى هذه الوثيقة ودلالتها.
وأثق تمامًا فى أن الأزهر بهذا التوجه وبذلك الأداء قد أحال كثيرًا من أبنائه وقياداته (وقد رأينا فيهم الإخوان والسلفيين الأقحاح) إلى شيوخ للجمود العلمى والتخشب الفقهى والتعصب المذهبى.
إن الأزهر الذى يعاند رئيس جمهورية مصر العربية فى الاستجابة لتجديد الخطاب الدينى، حتى إن الرئيس نفسه اشتكى فى حديثه الشهرى السابق من هذا التلكؤ، هو نفسه الأزهر الذى ينسق شيخه مع ملك السعودية.
أحَرَامٌ يا مشيختنا على بلابله الدوحُ، حلالٌ للطير من كل جنس؟!
سلموا لى على تجديد الخطاب الدينى!