دعونا نعرف أولاً ما هي السيكو دراما كما تقول بعض مراجع علم النفس، أطلقت تسمية سيكو دراما على شكل من أشكال المعالجة النفسية من خلال التقنيات المسرحية، وعلى استخدام المسرح كوسيلة تربوية، وأول من استخدم هذه التسمية هو الطبيب النفسي الروماني مورينو Moreno . يعرف مورينو السيكو دراما بأنه علم “يستكشف الحقيقة بوسائل درامية” وقد انطلق مورينو من مبدأ تمثيل الواقعة ضمن مجموعة (وهذا هو مبدأ ديناميكية المجموعة)، بدلاً من الكلام عنها كما في التحليل النفسي التقليدي، لأن تكرار الواقعة من خلال التمثيل يساعد المريض على الخلاص من الكبت، وهذا ما يطلق عليه في علم النفس اسم “نظرية المرة الثانية”.
والسيكو دراما عبارة عن حوار تلقائي متصاعد يكشف ويعرف الفرد بالوقائع التي قد تُسهم في تقوية ذاته وتعطيه فسحة أمل ونظرة أكثر إشراقاً. تعد السيكو دراما طريقة علاج نشطة وفعالة ذلك عن طريق التعامل مع الماضي أو مع المشكلات المتوقعة كما لو كان الصراع يحدث الآن حتى يتمكن من الوصول إلى مستوى جديد من الفهم للموقف.
في مصر هناك متخصصون قليلون يعملون كمعالجين ويستخدمون السيكو دراما في مصحات كمستشفى العباسية للطب النفسي التي تعتبر أكبر مستشفى للطب النفسي في العالم العربي.
يتم استخدام السيكو دراما أيضاً مع مرضى الإدمان خاصة أن العديد منهم يعانون من اضطراب الشخصية الدراماتيكية متقلبة المشاعر وحادة المزاج وتميل إلى جذب الانتباه وتهوى الدخول في المشكلات المزعجة لنفسها وللآخرين، ويندرج تحت هذا البند الشخصية السيكوباتية والشخصية الحدية والنرجسية لذلك تصلح لهم السيكو دراما كجزء من العلاج.
كان لا بد من هذه المقدمة لأننا سوف نتكلم عن موضوع تناول الدراما لمشكلة الإدمان. في العقود الثلاثة الماضية تناولت الدراما الإدمان من وجهة نظري كطبيب متخصص وباحث في تخصص الإدمان والطب النفسي لسنوات عديدة بشكل سطحي، فمثلاً فيلم الوحل الذي عرض عام 1987 وقامت ببطولته نبيلة عبيد ونور الشريف وكامل الشناوي، في أحد المشاهد عندما ذهبت نبيلة عبيد إلى الطبيب من أجل علاج الإدمان قال لها أنه ليس هناك أي علاج حتى الآن، وكانت طوال الفيلم تحاول أن تخفي عن زوجها أنها أًصبحت مدمنة خن4وفاً من الفضيحة والطلاق، هناك أيضاً فيلم المدمن بطولة الراحل أحمد زكي ونجوى إبراهيم والراحل عادل أدهم الذي عرض عام 1983 وفي أحداث الفيلم يقع المدمن في حب الطبيبة المعالجة له وتبادله الطبيبة الحب .
وهناك العديد من المسلسلات والأفلام أيضاً التي تناولت الموضوع بشكل يزيد من وصمة المجتمع عن المدمن ومرعب من مشاهد أعراض الانسحاب والعنف الشديد، ويجعل من الإدمان سوء سلوك وليس مرضاً مع أن مراجع الطب النفسي ومنظمة الصحة العالمية عرفت الإدمان كمرض، وهذا هو التعريف المبسط الموجود في القواميس الطبية.
الإدمان هو الاستسلام الجسدي والنفسي لعادة أو أدوية معينة بحيث يصبح العيش متوقفاً عليها عضوياً ونفسياً ويصعب تركها، ومن المواد التي تسبب الإدمان المورفين، الأفيون، الحشيش، معظم الحبوب المنومة، الكحول والنيكوتين.
كل ما ذكرته جعلني أرسم صورة ذهنية خاطئة وثابتة عن أي عمل درامي سوف يتناول الإدمان، ولكن عندما سمعت قبل رمضان أن نيللي كريم سوف تقوم بعمل دور مدمنة في مسلسلها القادم، وأن الكاتبة هي مريم نعوم والمخرج تامر محسن، توقفت قليلاً وقلت إن هذا الثلاثي لا بد أنه سيقوم بطرح مختلف، فأعمالهم السابقة تشير إلى ذلك، فمريم ونيللي قاما العام الماضي بتقديم إبداع مختلف في سجن النسا، ومن عامين أيضاً قامت مريم نعوم بعمل سيناريو لرائعة أسامة أنور عكاشة منخفض الهند الموسمي وعرض تحت اسم موجة حارة، ونأتي إلى المخرج تامر محسن الذي قدم رائعة وحيد حامد بدون ذكر أسماء ورجع بنا إلى أجواء الثمانينيات وشاهدنا مشهداً عبقرياً
شاهد محمود البزاوي: نفسي أبقى كافر
كل هذا جذبني لمشاهدة مسلسل تحت السيطرة ومتابعته من أول حلقة، فوجدت لأول مرة مسلسل عربي يتناول قصة امرأة مدمنة ويتناول وصمة المجتمع ووقوف زوجها المتحضر الراقي ومحاولة علاجها واصطحابها إلى طبيب نفسي ومساعدتها، ولأول مرة تتناول الدراما موضوع المدمنين المجهولين والكتاب الأزرق و12 خطوة للتخلص من الإدمان واللهفة والشوق إلى المخدرات وكيفية التخلص منها والمجتمعات العلاجية وجلسات علاج وتوعية الأهل وعلاج أعراض الانسحاب والانتكاسة. كل ذلك تعرض له المسلسل في أول 5 حلقات بشكل علمي وأعتقد أن المسلسل بمثابة جلسات علاج سيكو دراما للمرضى ومحاولة لتغيير نظرية المجتمع والرأي العام حول الإدمان.