محمد عبد الرحمن – محمد الحلواني شبكة الجزيرة
كورونا هو المتهم البرئ، هكذا رد مصدر مطلع على ما يجري في شبكة قنوات الجزيرة من استغناءات انطلق الحديث حولها في الأيام القليلة الماضية، بدعوى تخفيض النفقات إثر الهزة الاقتصادية التي أصابت العالم أجمع جراء توابع جائحة كورونا، أضاف المصدر موضحا أن التراجع الاقتصادي لقنوات شبكة الجزيرة كان سيحدث في كل الأحوال لكن كورونا عجل به.
حسب مصادر متعددة معظمها من داخل الشبكة، تشهد أروقة شبكة الجزيرة، سواء الإخبارية أو الرياضية أو تلك المخصصة للطفل والترفيه حالة غير مسبوقة من الارتباك بعدما بدأت بالفعل سلسلة من الاستغناءات غير محددة المستوى بدعوة تخفيض النفقات خصوصا مع تزايد الخسائر التي طالت الشبكة، وتحديدا الجانب الرياضي منها أي Bein Sport بسبب توقف النشاط الرياضي لعدة أشهر وحتى مع عودته لا تبدو الأمور ستجري في مسارها السابق بسهولة فكل شئ تغير بسبب الفيروس القادم من ووهان الصينية.
البداية كانت في شبكة قنوات الجزيرة التي تضم “جيم وبراعم”، حيث تم الاستغناء عن غير القطريين، عربا أو أجانب، على نحو مفاجئ ودون إنذار مسبق، لتتحول القناة إلى عرض ما سبق وتم إنتاجه وتجميد أي مخططات جديدة حتى إشعار آخر، أي أن المشتركين في القنوات التي تم ضمها قبل سنوات للشبكة المشفرة سيتابعون موادا معادة لأجل غير مسمى.
ما مصير من يتم الاستغناء عنهم وكيف يتم إبلاغهم؟ الإبلاغ حتى الآن يتم تلفونيا بدون إخطار رسمي، ويتم منح الموظف مهلة شهرين لمغادرة الدوحة إلا إذا وجد عملا في مؤسسة أخرى فيما عدا المصريين غير مسموح لهم بالبقاء ونقل الكفالة لأي شركة أخرى.
لم يلتفت الكثيرون لما حدث في قناتي الأطفال، فهي قنوات هادئة التفاصيل بحكم المحتوى، لكن الوضع ساخن للغاية في كواليس Bein Sport، ربما أسخن من كواليس المباريات الأوروبية التي عادت من جديد بعد 3 شهور من التوقف، حيث بدأت قبل يومين حملة استغناءات تلفونية، شملت أسماء عدة من بينهم مقدمي الاستوديو التحليلي التونسي معز بولحية، والجزائري لخضر بريش، وشملت أيضًا نزار الأكحل، ورانيا الأفندي، وخولة لشهب، وماجد الشجعي، ومن المحللين حسام الحاج علي، والمعلق الأردني خالد الغول، والمحلل التحكيمي جمال الشريف بالإضافة إلى مجموعة من المذيعين، بقناة bein sport الإخبارية، لكن تأكيدا للارتباك ورغم إبلاغه بعدم تقديم ستديو الدوري الإسباني مساء الخميس 11 يونيو 2020.
عاد الجزائري لخضر بريش وظهر مجددا على أن يعتزل الشاشة بانتهاء هذا الموسم ليتحول التسريح إلى خروج مشرف، عاد لبريش خلال 24 ساعة وكأن الأسماء المستغنى عنها غير نهائية ويمكن التدخل بشكل فردي للإبقاء على أحدهم وصرف آخرين وهو ما يفسر استخدام طريقة الإبلاغ الشفوي وليس الرسمي، وغير معروف ما إذا كان المستغنى عنهم يحصلون على حقوقهم كاملة أم يتم صرفهم تعسفيا.
القائمة المستغنى عنها شملت مخرجين هواء ومخرجي ومنتجي تقارير وبرامج، وصحيح أن مصادر عدة قالت أن العدد تجاوز المائة لكن لا يمكن تأكيد ذلك بشكل حاسم حاليا، خصوصا وأن الباب ما زال مفتوحا لإضافة العديد من الأسماء، لكن المؤكد أن نسبة المستغنى عنهم قد تصل إلى 20 % من القوة الحالية للشبكة علما بأن الشبكة استغنت عن 40 % من قوتها في يونيو الماضي، أي أنه بالاستغناءت الجديدة يكون نصف العاملين في الشبكة قد تم تسريحهم خلال عام واحد.
الضربات لم توجه للمقر الرئيسي للشبكة فقط، حيث قررت BeIN Sports فرنسا بدء إجراءات إعادة هيكلة موازية من المنتظر أن تؤدي إلى الاستغناء عن 20 من أعضاء طاقمها التحريري، وتم عرض الإجراءات بالفعل على ممثلي الموظفين الثلاثاء الماضي بالاستغناء عن 20 عضوًا من فريق العمل، بما في ذلك 12 من الموظفين بعقود دائمة، وهم 5 معلقين و5 صحفيين ومحرر إداري ومقدم برامج، وذلك وفقا لصحيفة ليكيب الفرنسية.
قال مسئول بالشبكة لوكالة فرانس برس: “يعاني سوق التلفزيون الرياضي في فرنسا حالة من الاضطرابات على مدار السنوات القليلة الماضية، مع تزايد المنافسة، والثورة في حجم حقوق البث، ما أسفر عن تحديات اقتصادية تواجهها شركة BeIN Sports France وتوترات اقتصادية كبيرة، مثل العديد من الشركات العاملة في قطاع البث الرياضي”، وأبرز التحديات: “انخفاض الاستثمار في توزيع المحتوى التلفزيوني المدفوع ودوامة القرصنة”.
ومن المتوقع حسب الصحيفة نفسها أن يغادر بعض الصحفيين BeIN للانضمام إلى خدمة البث المدفوع الفرنسية Téléfoot التي تركز على كرة القدم.
السؤال الذي قد يتبادر للأذهان عند قراءة هذه الأخبار، ما الذي حدث حتى تترنح شبكة بهذا الحجم فقط لأن كرة القدم تعطلت لثلاثة أشهر، لنكن منصفين لكورونا يد بالطبع، فحتى بعد انحساره لن تعود الأندية لتدفع ملايين الدولارات للاعبيها على أن تعوض من خدمة البث التلفزيوني المباشر، لقد تغيرت عادات الجمهور ولن تعود كما كانت قبل كورونا بسهولة، بل أدرك المواطن العادي أن الدوري الخاص بدولته تظل له الأولوية وقد يدفع لمتابعته في أي وقت بدلا من أن يدفع لتتاح له مئات المباريات حول العالم لن يشاهد منها إلا القليل، أي أن فكرة الاحتكار بمعناها الواسع تخضع حاليا للمراجعة، وهو ما يطرح تساؤلات حول حجم إنفاق الشبكة الرياضية القطرية على عقود احتكارية طويلة الأمد شملت بطولات ورياضيات لا تتمتع بشعبية فقط خوفا من دخول منافسين، باختصار أرادت الشبكة الشهيرة أن تأكل الكعكة بمفردها “فوقفت في زورها” كما يقول التعبير المصري الشهير.
حدث تراجع كبير في عدد المشتركين خصوصا في دول شمال إفريقيا بعد توقف الدوريات، وسيفكر من أوقف الاشتراك كثيرا قبل تجديده، ومديونيات متراكمة تطالب بها شركات منح حقوق البث الأوروبية وعلى القائمين على Bein Sport الإيفاء بها؛ حتى لو كان ذلك على حساب العاملين الذين خدموا الشبكة لسنوات طويلة أو الاستغناء عن عرض مباريات دوريات شهيرة، أي قد تضطر الشبكة للاختيار ما بين الدوري الإنجليزي والإسباني مثلا والدوري الإيطالي والألماني، فمن سيدفع شهريا مبلغا وقدره ليشاهد مباريات دوري واحد؟
يحدث كل ما سبق قبل عامين فقط من مونديال الدوحة 2022، وبعد حروب ضارية خاضتها قطر لتثبيت حصولها على حق تنظيم الحدث العالمي الأبرز على الإطلاق، تناقض غير متوقع يدل على غياب التخطيط والإنفاق بدون البحث عن عائدات بل المستهدف وحسب “المكايدة السياسية” حتى ولو تمت عبر الملاعب الكروية، على نفس المنوال ورغم الإدعاء بالتأثير الكبير للجزيرة الإخبارية في الصراعات التي تدخلها قطر إقليميا تحالفا مع إيران أو تركيا، فإن الشبكة الإخبارية تقف على صفيح ساخن ويترقب العاملون بها نفس الإجراءات، وإن لم يتم الاستقرار بعد على العدد الذي سيخرج من أبواب الجزيرة إلى أي مكان غير الدوحة التي لم تعد لديها القدرة على توظيف أحدهم بعد سنوات من استقطاب الخبراء في كل المجالات.
فئة واحدة تشعر بالأمان رغم كل ما يتردد من استغناءات متوقعة، هؤلاء المنتمون رسميا لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، أو الذين تمسكوا بمناهضتهم للدولة المصرية منذ 2013 وحتى الآن، بل أن بعضهم يجلس الآن في الدوحة بلا عمل حقيقي ويحصل على الراتب الذي اتفق عليه عندما نزح إلى هناك باحثا عن المكاسب أو هربا من العدالة منذ يوليو 2013، أسماء مثل علاء صادق المحلل الكروي وأيضا الصحفي والحكم السابق ناصر صادق وسليم عزوز ومحمد الجوادي وغيرهم، لن تجدهم منذ فترات طويلة على شاشات الجزيرة والجزيرة مباشر لكنهم هناك يتقاضون رواتبهم مقابل ما فعلوه بعد سقوط نظام الإخوان.
بالتأكيد ستحمل الأيام المقبلة المزيد من التفاصيل عن حملة الاستغناءات، وستتقلص شبكة Bein الترفيهية كذلك، لكن حتى تتضح الصورة، فالموضوع أوسع من الرغبة في تخفيف العمالة والنزول بحجم الانفاق الشهري، القضية اقتصاديا أكبر من ذلك، وهو ما كشفه تقرير حديث لشبكة بلومبرج قال إن قطر أصدرت تعليماتها للجهات الممولة من الحكومة لخفض التكاليف الشهرية وبعض الفوائد للموظفين غير القطريين، في الوقت الذي تحاول فيه تعزيز مواردها المالية لمواجهة تأثير جائحة فيروس كورونا.
وطلبت وزارة المالية من الوزارات والمؤسسات والكيانات الحكومية الممولة من الدولة تخفيض التكاليف الشهرية للموظفين غير القطريين بنسبة 30٪ من 1 يونيو، إما عن طريق خفض الرواتب أو إنهاء خدمتهم، مع منحهم مهلة شهرين من ذلك التاريخ، وفقا لرسالة شاهدتها بلومبرج.
كما أمرت الوزارة بوقف الترقيات والبدلات النقدية للموظفين كالإجازات وتذاكر السفر، ما لم يتم منحهم في بداية أو نهاية فترة عملهم، كما أوقفت التمويل المسبق، باستثناء الزواج. شبكة الجزيرة