اخترنا لك إلى عصر الدحيح
إسلام سعيد
تجتمع الأسرة في ليلة صيفية تسعينية منتظرة المذيعة فريال صالح، لتطل بمقدمتها مستعرضة مع اختارته وفريقها لنا من فقرات متنوعة تبدو جيدة بمقاييس زمانها وإمكانيات شاشتها قبل نحو ثلاثين عاما.
يقول الطفل منزعجا “ما بحبش البتاع ده.. خليها تجيب ميس بيجي- الدمية الشهيرة في مابيت شو”، فيرد عليه الوالد “مفيش النهاردة ميس بيجي، هو ده اللي موجود.. اتفرج وأنت ساكت”.
بعد أن يشب الطفل ومع منصات مختلفة تأتيه بدايةً على جهاز الكمبيوتر المنزلي، وصولا لتليفونه المحمول، أصبح هو المتحكم، المسيطر، المقرر لما “سيختاره هو”!
هذا الطرح سيكون جديدا ومختلفا على أذن مسؤولي ومتخذي القرارات في التلفزيونات قبل أكثر من 15 عاما، ولكن الأزمة أنهم حتى في عام 2020 ربما لم ينتبهوا أن “والله سلوك الجمهور تغير” والطفل الذي يقضي يوما كاملا في انتظار خمس دقائق لدميته المفضلة الآن يقرر ما يشاهده دون إذن من القائمين على برنامج “طلباتك أوامر”.
نحن أكبر قوة ناعمة في المنطقة، ومع ذلك نفرط في أهم مواردنا البشرية الموهوبة ونتركها من أجل منصات أخرى، تبني من خلالها قواعد جماهيرية، حاصدين على سبيل المثال استفادةً قصوى من البرنامج العلمي الشبابي الأكثر شعبية في آخر ثلاث سنوات “الدحيح” لمقدمه أحمد الغندور، الذي غزى المنطقة كلها بأداء متميز وبحث وفريق متطور، بإمكانيات بسيطة في أقل من سنوات ثلاث.
قبل شهور طرح صديق سؤاله في مكالمة تليفونية “مش عارف أصلا إزاي مفيش ولا حد فكر يجيب البرنامج يشتغل في قناة ولا منصة مصرية؟”، ربما يكون تقرير الأولويات حتى الآن هو مشكلتنا، ننفق ملايين نحتاجها بشدة على محتوى لملء ساعات الهواء دون هدف، نقرر سعر اشتراكات دون دراسة، نقرر التضحية بمواردنا البشرية الحقيقية لتبنى جمهورا لمنصات تدعم بها أجندات مختلفة.
ربما ستستمر الأمور كما هي دون أدني دراسة جدوى للسوق أو ما يقدمه منافسوك، لنكتفي في النهاية بالصراخ بألا نشاهد قنوات منافسة ومعادية دون وضع أجندة حقيقية لما يجب أن يكون لائقا بنا، متناسين أننا لأننا لسنا في زمن “اتفرج وإنت ساكت”.