محمد عبد الرحمن
انتقلنا من مرحلة “الجمهور عايز كدة” إلى النقيض تماما ” الجمهور مش عايز كدة”.
ما قبل السوشيال ميديا، كان كل منتج أو مخرج أو ممثل يقدم عملا يفتقد لقواعد المنطق الدرامي، ويتضمن مشاهد لا لزوم لها وأفكارا مقلدة وكليشيهات مكررة؛ يقول إنه يريد أن يقدم فنا جيدا ومبتكرا لكن “الجمهور عايز كده”، وامتلأت صفحات المجلات والجرائد وأحاديث الندوات لعقود طويلة بمناظرات بعضها يؤيد تلك المقولة والبعض الأخر يرى أنها مجرد حجة للاستسهال؛ والدليل أن أفلاما عديدة كانت تصل لشاشات العرض وتلقى إقبالا جماهيريا رغم أنها مصنوعة في الاتجاه المعاكس لتلك القاعدة.
الآن، مع تحول منصات السوشيال ميديا لمحاكم تفتيش، بات الإعلان مبكرا عن أي مشروع فني بمثابة استدعاء للجمهور للحكم المبكر على تلك الأعمال بل التدخل فيها بالتعديل والإضافة وصولا إلى مرحلة الرفض والمواجهة، وإذا كان أصحاب نظرية ” الجمهور عايز كده” تناسوا عن عمد أن الجمهور ليس فئة واحدة، وأنه حتى لو نال عمل ما إعجاب ملايين الناس فإن نفس هؤلاء قد يتابعون عملا آخر ينتمي لمدرسة فنية مختلفة دون إجبارهم على استهلاك نمط فني معين لا غير باعتباره مضمون النجاح مسبقا، على نفس المنوال نسي أصحاب نظرية “الجمهور مش عايز كده” أن دور المتفرج يبدأ أصلا بعد انتهاء العمل، وأن المشاهد يتجاوز الخطوط الحمراء بأن يتحول إلى رقيب يمنع العمل قبل دوران الكاميرا؛ بحجة أنه متأكد مليون في المئة أن النتيجة لن ترضيه!!
الفقرة السابقة تصف باختصار الهيستيريا التي انتشرت عبر منصات السوشيال ميديا بمجرد ظهور مشروع مسلسل لأحمد زكي يقدمه محمد رمضان، حيث انقسم الناس إلى ثلاثة أقسام، الأول هو الطبيعي من وجهة نظري الذي قرر الحكم على العمل بعد خروجه للنور ومناقشة الترشيحات من باب الدردشة الفنية ووضع الاحتمالات دون مصادرة، لكنهم أقلية، فيما القسمان الآخران، أولهما يرفض رفضا قاطعا تجسيد محمد رمضان لشخصية زكي، والثاني يرفض تجسيد أحمد زكي من الأساس، سواء لأن حياته الشخصية لا يوجد بها ما يهم الناس حسب رأيهم، وكذلك لأن زكي توفى قبل 15 عاما وما تزال الفترة غير كافية لتجسيده دراميا.
الأزمة ليست في تنوع الأراء فهذا أمر مقبول ومطلوب، وإنما في تحول الرأي إلى “حكم” غير قابل للتأجيل، يريد أصحابه تنفيذه حتى لو كانت المعركة خاسرة، وجاء خبر توقيع السيناريست بشير الديك عقد كتابة المسلسل ليقلب الموازين لصالح محمد رمضان، فها هو واحد من أبرز المؤلفين الذين كتبوا نجاحات النجم الأسمر سيكون مسئولا عن النص، فلماذا لا تعطوا فريق العمل فرصته؟ ولماذا وصلنا لمرحلة مصادرة كل شئ؟ لدرجة أن الجمهور الذي كنا نطالبه بأن يمسك بالريموت ويتنقل بين القنوات حتى يجد ما يعجبه، هو الذي يمسك الآن “الكلاكيت” ويقف في البلاتوه، وقد يرفض استخدامه للإعلان عن تصوير أول مشهد!
قواعد كثيرة اختلفت في زمن السوشيال ميديا، لكنه اختلاف لا يجب أن يفرض نفسه على الأرض .
العمل الفني مسئولية صناعه حتى يصل للجمهور، بعدها تنتقل المسئولية للناقد والمتفرج وكل منهما يقول رأيه، والفنان المجتهد هو من يجمع بين الحسنيين، رأي النقاد والمتفرجين، ولو لم يعجبهم فهذه رسالة له بأنه أخطأ الطريق وافتقدت التجربة عنصرا ما أو عدة عناصر عليه أن يبحث عنها حتى يتداركها في أعمال آخرى مقبلة، لكن كيف سيقف الفنان على مناطق النقص في عمله إذا مُنع بالأساس من تقديمه؟
المنتج الفني ليس وجبة جاهزة، والفنان ليس عامل ديلفيري لا يأتي إلا إذا طلبه المستهلك، ولو تركنا إنتاج الأعمال الفنية بطريقة “ممكن أعمل أوردر” فلن يتحرك فنان واحد إلا بعد ضمان صوت الأغلبية، وهو أمر يحدث في الاستحقاقات السياسية لا النشاطات الإبداعية.
هل يعني ما سبق أن المسلسل سيفرض نفسه على الجميع؟ بالقطع لا، بل أن مهمة محمد رمضان ستكون هي الأصعب على الإطلاق في مشواره الفني الذي ما زال في مرحلته الأولى، وأمامه تحديات لا حصر لها، أهمها عنصر الوقت، فالمؤلف لم يكتب بعد، ورمضان بعد 11 شهرا، وتفاصيل حياة أحمد زكي كثيرة، بالتالي لابد من الإسراع باختيار الرؤية التي سينطلق منها العمل، ثم الاستقرار على باقي الممثلين بعد الإعلان عن اسم المخرج، وباقي التحضيرات الإنتاجية، والأهم كيف سيقنع رمضان الجمهور أنه يجسد زكي ولا يقلده؟
ما سبق من تحديدات هي التي يجب أن يناقشها الجمهور، بل أن المسلسل فرصة لإعادة فتح سيرة أحمد زكي الشخصية والفنية وتأملها ودراستها والوقوف على أهم ما فيها من محطات، حتى نصل إلى اليوم الأول في رمضان 2021 وقتها فقط تنتقل السلطة للجمهور ويكون من حقه أن يعلن رأيه في العمل، سلبي أم إيجابي، فإن أعجبه فالإشادة واجبة بمحمد رمضان ومن معه، وإن جاء غير ذلك فهي رسالة لفنان آخر في زمن مقبل بأنه يمكن أن يجسد أحمد زكي مجددا بعد تدارك أخطاء تجربة 2021.