كيف واجهت صفحة "دار الإفتاء" خناقات السوشيال ميديا؟

من يعمل في مجال الصحافة والإعلام حاليا، يعلم أنه أمام قارئ “ماسك موبايل بيقلب فيه”، إن وجد ما يجذب انتباهه اتجه إليه، وإن لم يجد كانت الوفرة من كل شيء في فضاء الإنترنت كافية لشغله عنك، وبات التحدي الحقيقي ليس فقط صحة المعلومة بل طريقة إيصالها المتلقي، وفي الوقت المناسب.

نرشح لك: بسبب تدوينة عن الانتحار.. دار الإفتاء تتصدر ترند “تويتر”

وهذا ما نجحت فيه صفحة دار الإفتاء المصرية على موقع “فيس بوك”، فالصفحة أصبحت مواكبة للتريندات عن كثب، من خلال متابعة يومية تحسم فيها الجدل وترد على كل الشائعات والقضايا الدينية التي تتصدر تريندات مواقع التواصل الاجتماعي.

اختيار الوقت المناسب للرد يكون جاذبا للمتابعين، حيث تصل المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب الذي يكون المتلقي متأهبا فيه لها، فبعد تصاعد وتيرة الخلاف تتدخل الدار بهدوء للرد وحسم الأزمة من خلال الكشف عن رأي الدين فيها، بعيدا عن توجه التريند هل هو معاها أم ضدها، لذلك لا غرابة أن نجد المعترضين على الفتاوى التي ليست موافقة لأهوائهم يتهمون الدار بـ”الفتي”، بمعناه السيء، رغم أنها الجهة الوحيدة المنوط بها الإفتاء بمعناه الإيجابي.

سارة حجازي

ما بين التأييد للفتاوى التي ترد على الصفحة وتكفير القائمين عليها، لا تنشغل الدار سوى بتقديم الفتاوى الدينية الصحيحة الثابتة بلا لبس فيها ولا جدال، مثلما حدث في الأزمة الأخيرة بعد انتحار الناشطة سارة حجازي في كندا، والتي انقسمت الآراء بين الترحم عليها وبين رفض الدعاء لها باعتبارها ملحدة، فضلا عن حرية المثلية الجنسية باعتبارها أحد الداعين إليها.

بكل هدوء وبعد وصول الخلاف ذروته، أصدرت الدار عبر صفحتها فتاوى حاسمة بشأن الإلحاد والانتحار وطلب الرحمة للمتوفى والشذوذ الجنسي، في موقف قلب الموازيين إن جاز التعبير، وجعل كلا الفريقين راضٍ عن بعض الفتاوى وغاضب من الأخرى.

باختصار ردت الدار على من يقولون إن الفتاة في النار لأنها ملحدة ومنتحرة، بأنه لا يمكن لأحد التأله على الله في ملكه، وأنه وحده من يعلم مصائر العباد، وردت على الداعمين لحرية الاعتقاد بالشذوذ الجنسي، بأنه محرم في كل الأديان السماوية تحريماً قطعياً؛ لما يترتب عليه من المفاسد الكبيرة، بل وأوصت الدار من كان عنده ميل إلى هذا الفعل، أن يبحث عن الطبيب المختص ويحاول أن يعالج من هذا الداء القبيح، لأن الأديان السماوية جميعها رافضة لمسألة المثلية الجنسية باعتبار ذلك خروجاً عن القيم الدينية الراسخة عبر تاريخ الأديان كافة.

أما الجدل حول إلحاد سارة حجازي، وظهور فئة تدعم هذا التصرف، فأوضحت الدار عبر صفحتها أن الإلحاد ظاهرة تحتاج إلى العلاج من قبل المتخصصين، حيث إن الملحدين ليسوا على درجة واحدة من الإلحاد، فالبعض منهم يكون لديه مشكلة معينة ولكنها يسيرة وبمجرد النقاش العلمي معه من قبل المتخصصين وإزالة اللبس في الفهم الموجود لديه يرجع عن أفكاره، والبعض منهم يكون عنده مرض نفسي وهذا لا بد من إحالته مباشرة إلى الأطباء النفسيين لعلاجه، والبعض لديه فكر وعلم ويحتاج إلى مناقشة علمية هادئة قد تستمر لفترة طويلة من الزمان حتى يصل في النهاية إلى الحق والحقيقة.

ردت دار الإفتاء المصرية على القضية من جوانبها كافة، وأثبتت بالدين وبالشرع أن كل الأطراف تقريبا مخطئون في أمر ولديهم الحق في آخر، والحكم في النهاية لرأي الدين الوسطي بدون تهوين أو تهويل.

زوال كورونا

ردت أيضا عبر صفحتها الرسمية على “فيس بوك” على الادعاءات التي انتشرت بكثافة حول زوال فيروس كورونا يوم 19 مايو 2020، وقالت الدار: “احذر من الخرافات.. انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي منشورًا يدعي فيه صاحبه أنه في شهر مايو خاصة يوم التاسع عشر من شهر رمضان سيزول فيروس كورونا المستجد، ويستدل على ذلك بحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده وغيره، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا قَطُّ، وَتَقُومُ عَاهَةٌ، إِلَّا رُفِعَتْ عَنْهُمْ أَوْ خَفَّتْ»، حيث فسر الحديث بأنه إذا انتشر الوباء فإن الله عز وجل يرفعه وقت ظهور نجم الثريا الذي يكون مع بداية فصل الصيف وشدة الحر، وهذا الكلام غير صحيح، فالمقصود من الحديث هو ما أرشدنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم من عدم جواز بيع الثمار قبل نضوجها وظهور صلاحها.

تابعت: “ولعل من الحكمة في النهي عن هذا البيع: الفائدة التي تعود على البائع والمشتري معًا، فترك الثمرة حتى تنضج يزيد من ثمنها وفيه مصلحة للبائع، وتركها حتى يظهر صلاحها فيه مصلحة للمشتري، وبذلك يقطع باب التشاحن والإثم عند فساد الثمرة”.

صرخة يوم الجمعة

كما جددت تحذيرها من انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، حول موافقة أول يوم رمضان يوم الجمعة وأن 15 رمضان يوافق يوم جمعة وكتابة حديث يستغله البعض لتخويف الناس من يوم الجمعة الموافق 15 من شهر رمضان هذا العام، حيث أطلقوا عليه #صرخةيومالجمعة، ويستشهدون بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« في الخامس عشر من شهر رمضان ليلة الجمعة ستكون فزعة –نفخة-، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان ، وتخرج النساء من مخدعهن ، وفى هذا اليوم سيكون هناك الكثير من الزلازل».

وأكدت الدار أن هذا الكلام غير صحيح، ولم يثبت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الإمام ابن الجوزي في كتابه الموضوعات هذا الحديث بلفظ: «يَكُونُ فِي رَمَضَانَ هَدَّةٌ تُوقِظُ النَّائِمَ وَتُقْعِدُ الْقَائِمَ، وَتُخْرِجُ الْعَوَاتِقَ مِنْ خُدُورِهَا…»، ثم قال: هَذَا حَدِيث مَوْضُوع –مكذوب- عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ الْعَقِيلِيّ في كتابه الضعفاء الكبير: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيث أصل عَنْ ثِقَة وَلَا من وَجه ثَابت.

توقيت صلاة الفجر

أيضا حسمت مرارا وتكرارا أزمة توقيت صلاة الفجر بالقاهرة والجدل حول كونها تسبق مكة المكرمة، لتثبت الدار بالدليل العلمي أن التوقيت المعمول به حاليًّا في مصر صحيح قطعا، وأن ما يثار من التشكيك فيه ليس اعتراضًا علميًّا، موضحة أن هذه الدعاوى وإن كانت تُساق بحجة تصحيح المواقيت، إلا أنها تنطوي في حقيقتها على الطعن في العبادات والشعائر وأركان الدين التي أَدَّاها المسلمون عبر القرون المتطاولة؛ من صلاة وصيام وغيرهما، فضلًا عما تستلزمه من تجهيل علماء الشريعة والفلك المسلمين عبر العصور، مع تهافت هذه الدعاوى أمام الحقائق العلمية والمقاييس الجغرافية والظواهر الكونية والفلكية، ولذلك فلا يجوز الالتفات إليها ولا التعويل عليها.

صلاة الجمعة في المنزل

قالت الدار إنه لا تجوز صلاة الجمعة اليوم في المنزل سواء كان رب الأسرة إمامًا أو خلف التليفزيون أو الراديو، موضحا أن الجمعة تصلى ظهرًا أربع ركعات.

وهذا ما ذهبت إليه وزارة الأوقاف التي قالت إن صلاة الجمعة لا تنعقد بدون إذن ولي الأمر أو من ينيبه في ذلك وأن إقامتها بالمخالفة لجهات الاختصاص في الظرف الراهن “إثم ومعصية”، فالجمعة لا تنعقد بمخالفة ولي الأمر، كما أنها لا تنعقد في الطرقات أو أمام المساجد أو الزوايا أو فوق أسطح المنازل.

الصيام في زمن الكورونا

حسمت دار الإفتاء الجدل حول صيام شهر رمضان في ظل أزمة فيروس كورونا، وأكدت أن الالتزام بالقرارات الاحترازية هو عبادة شرعية يثاب عليها الإنسان، كما أشارت إلى أنهم اجتمعوا مع لجنة طبية أجمعت أن فيروس “كورونا” لا يؤثر على الصوم وأكدت أن الصوم يقوى المناعة في مواجهة هذا الفيروس.

تابعت أن من كان صحيحًا لم يصبه فيروس كورونا واستوفى شروط الصيام ولم يكن لديه عذر يمنعه من الصوم وجب عليه الصوم بل هو أولى لأن الصوم يقوي المناعة، موضحة أنه فيما يخص المصابين بالفيروس فإننا في هذه الحالة نسأل الأطباء، فإذا رأوا أن الصوم يضره، فإنه يجب عليه أن ينصاع لأمر الطبيب وهو أمر واجب حتى يحافظ على نفسه لأن حفظ النفس في هذه الحالة مقدم على الصيام.

أما الأطباء وطاقم التمريض الذين يواجهون فيروس “كورونا” يجوز لهم الفطر إذا وقع عليهم ضرر والفتوى تنبني على رأي الأطباء في هذه الحالة، ومن أفطر عليه القضاء بعد تمام شفاءه.

صلاة التراويح في المنزل

أيضا الجدل الذي أثير على مواقع التواصل الاجتماعي حول تأدية صلاة التراويح في المنزل في ظل الظروف الراهنة، بسبب انتشار فيروس كورونا، حسمته الدار بأنه لا يجوز التحايل بإقامة جماعات في أفنية البيوت أو فوق أسطحها أو غيرها تجنباً للعدوى.

ووجهت رسالة لمن يحزن وينزعج من عدم أداء صلاة التروايح في رمضان: “لا تنزعجوا وصلوا التراويح في بيوتكم فرادى أو مع أسركم؛ لأن الالتزام بالقرارات الاحترازية هو عبادة شرعية يثاب الإنسان عليها”.

لعبة الحوت الأزرق

أصدرت الدار فتوى بتحريم المشاركة في لعبة تعرف بـ”الحوت الأزرق” التي تطلب ممن يشاركون فيها اتباع بعض الأوامر والتحديات التي تنتهي بهم إلى الانتحار، وهو ما وقع فيه الكثير من المراهقين في عدد من دول العالم.

وطالبت دار الإفتاء من استدرج للمشاركة في اللعبة أن يسارِع بالخروجِ منها. وناشدت الآباء بمراقبة سلوك أبنائهم، وتوعيتهم بخطورة هذه الألعاب القاتلة، وأهابت بالجهات المعنية تجريم هذه اللعبة، ومنعها بكل الوسائل الممكنة”، لما تمثله من خطورة على الأطفال والمراهقين.