نقلا عن جريدة المقال
لا شئ يمكن أن يجبر المتفرج على البقاء أمام التلفزيون أكثر من الوقت الذي حدده لنفسه، إذا أراد أحد المشاهدين متابعة مسلسل ما وخصص له ساعة من وقته باضافة الفواصل الإعلانية التي تزيد بالقطع في رمضان، فإن هذا المشاهد بافتراض أنه مواطن طبيعي لن يمكن من قضاء نصف ساعة أخرى على الوقت الذي حدده لأن الجرعة الإعلانية زادت.
القاعدة التي تعلمناها في كلية الإعلام حول المدد المسموح بها للفواصل الإعلانية انهارت تماما في السنوات الأخيرة وزاد معدل دهسها في رمضان 2015، من المفترض أنه إذا زاد الإقبال الإعلاني على مسلسل أو برنامج معين أن يرتفع السعر لأن الفاصل الإعلاني يجب أن يكون محدد المدة مسبقا، لكن واقع الأمر أن الوكالات الإعلانية والقنوات المتعاونة معها يخشون اتخاذ هذه الخطوة خصوصا مع وجود معظم المسلسلات على كل القنوات وتراجع العروض الحصرية، بالتالي لو أن لدي مسلسل ناجح جدا وهناك إقبال إعلاني عليه فلن أرفع السعر لأقلل الإعلانات خوفا من أن يقوم المنافس بتثبيت السعر أو ربما خفضه ليحصل على نصيب أوفر من الإعلانات.
يصبح البديل هو زيادة الفواصل الزمنية فيما الجمهور هو أخر الموجودين على مائدة المعلنين وملاك القنوات بالقطع، الأغرب أن المعلنين أنفسهم لا يهتمون بأن يكره المتفرج الإعلانات كلها بسبب هذا الإفراط في الفواصل الإعلانية وفي تكرار الإعلان نفسه مئات المرات على كل القنوات، والجديد هذا العام وهو ما لاحظه الكثيرون في الساعة التالية لمدفع الإفطار هو التزامن بين الفواصل الإعلانية خلال عرض المسلسلات والبرامج التي تعقب آذان المغرب مباشرة مثل “رامز واكل الجو” و” الكبير قوي” و” لهفة” ، حيث كانت العادة أن ينتهز المتفرج فرصة الفاصل ويتابع جزء من عمل أخر، لكن حتى هذا “التنطيط ” بين القنوات لم يعد متاحا، وكأن هناك محاولة لإجبار المتفرج على مشاهدة الإعلانات بأي وسيلة ممكنة.
ثم تأت القنوات وتغضب من قنوات الـ C أو “بير السلم” التي تعرض الأفلام والمسلسلات المسروقة بدون فواصل إعلانية، بينما تفعل قنوات الـ A كل ما يدفع بالمتفرج للهرب إما لقنوات بير السلم أو للزهق من التلفزيون تماما وهنا يكمن الخطر الأكبر الذي يجعل صناعة الميديا نفسها في مهب الريح بسبب دفع الجمهور بعيدا عن شاشات التلفزيون وإجباره على المتابعة عبر الإنترنت حيث الإنفاق الإعلاني يتراجع كثيرا، والأنكى أنه حتى المشاهدة عبر يوتيوب باتت تشهد تدفقا إعلانيا يُجبر المتفرج على الوقوف للحظات كل عدة دقائق ليمرر إعلانات تظهر داخل الحلقة وليس في أولها فقط، وبات تدخل صناع الدراما كما كان يحدث في التسعينيات لمنع الإعلانات داخل الحلقات أمر مستبعد.
فيما اكتفى بعض المخرجين بتوجيه الجمهور لمشاهدة الأعمال على قنوات أقل جذبا للإعلانات خصوصا وأن الأمر وصل لحذف تترات البداية والنهاية بشكل يحرم صناع العمل من حقهم المعنوي في أن يتعرف المشاهدون على أسمائهم هذا إذا حافظ المتفرج أصلا على تركيزه أثناء المشاهد ولم يؤد به التشوش للظن بأن حسين فهمي ومصطفي فهمي مثلا يشاركان في أحد المسلسلات من كثرة ظهورهما على الشاشة عبر الإعلان الشهير.