حوار وزير الخارجية الاثيوبي
أحمد عدلي*
أثار وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارجاشيو جدلا كبيرا باللقاء الذي أجراه لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية؛ ونُشر اليوم الجمعة؛ وعكَس التوجهات العدائية من الجانب الإثيوبي تجاه مصر والتعنت فيما يتعلق بالتفاوض الذي يبدو أنه أقرب لمحاولة فرض ما ترغبه أديس أبابا فقط دون الاستماع إلي وجهات نظر أو آراء أخرى، مع إهدار مزيد من الوقت في التفاوض؛ في ظل وجود قرار إثيوبي بموعد ملء بحيرة السد.
إعلام دوت كوم يرصد أبرز الملاحظات على حوار جيدو أندارجاشيو…
الملاحظة الأولى
أكد الوزير الإثيوبي أن بلاده ستبدأ في ملء بحيرة السد سواء باتفاق أو من دون اتفاق؛ وهو أمر يبدو مثيرا للجدل في الوقت الحالي بعد فشل المفاوضات الأخيرة، فكيف لبلاده إذا كانت ترغب في تحقيق توافق مع دولتي المصب لنهر النيل – السودان ومصر – أن يتحدث وزير خارجيتها بهذه الطريقة؟ وهو أسلوب سبق وأن تحدث به رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علنا؛ بما يعني أن هناك قرار مسبق بفرض الشروط الإثيوبية على المفاوض المصري والسوداني، بغض النظر عن مصالح الأطراف المتضررة من السد.
الملاحظة التانية
اتهم وزير الخارجية الإثيوبي الولايات المتحدة الأمريكية بالانحياز إلى مصر في المفاوضات التي جرت بوساطة أمريكية وبحضور ممثلين عن البنك الدولي في واشنطن، وهو أمر يخالف جميع ما صدر من قبل عن الدول الثلاث المشاركة في المباحثات باعتبارها أطراف الموضوع، حيث وافقت إثيوبيا على جميع ما جرى التوصل إليه مع تمديد مدة المفاوضات، بل أن الاعتذار الإثيوبي عن التوقيع على الصيغة النهائية جرى قبل أقل من 24 ساعة من الموعد المحدد وبعد وصول الوفد المصري إلى الولايات المتحدة، وجاء التبرير الإثيوبي بأن التراجع عن التوقيع مرتبط بالانتخابات البرلمانية التي كان يفترض أن تجرى في أغسطس المقبل، وتم إرجاؤها بسبب أزمة فيروس كورونا.
الملاحظة الثالثة
تحدث وزير الخارجية الإثيوبي عن ما وصفه بتشويه مصر لسمعة إثيوبيا خاصة في العالم العربي، وهو أمر يعكس حالة القلق من نجاح الدبلوماسية المصرية خلال الفترة الماضية في الحصول على دعم عربي للموقف المصري بأزمة السد، خاصة بعد فشل المفاوضات والمماطلة الإثيوبية في المفاوضات، كما أن الضرر المتوقع من بناء السد لا يطال مصر فقط ولكن أيضا السودان التي حاولت تجنب الأزمة وتقريب وجهات النظر باعتبارها شريك في أي آثار سلبية متضررة من بناء السد، لكن جميع المفاوضات فشلت بسبب التعنت الإثيوبي، فيما تعمل الدبلوماسية المصرية بشكل مكثف مع الدول العربية للحصول على دعم دولي للموقف المصري، حيث سبق وأن قام وزير الخارجية المصري بعد اجتماع الجامعة العربية وتأييد الحق المصري في حفظ حقوق مصر التاريخية بمياه النيل، بجولة شملت 7 دول حمل خلالها رسائل من الرئيس عبد الفتاح السيسي للقادة العرب حول الموضوع.
الملاحظة الرابعة
أبدى وزير الخارجية الإثيوبي رفضه لجوء مصر لمجلس الأمن بشأن أزمة السد، لكن في المقابل لم يقدم الوزير الإثيوبي مخرجا للأزمة بعد فشل المفاوضات وتعنت بلاده، وعلى الرغم من تبقي أسابيع على الموعد الذي حدده من جانبه لبدء تخزين المياه في بحيرة السد، لكن لا يزال يرفض اللجوء إلى مجلس الأمن أو رفع الأمر ليكون بين رؤساء الدول أو الحكومات، وهو موقف غريب ويعبر عن استمرار النهج الإثيوبي في المماطلة بمحاولة لفرض سياسة الأمر الواقع مع بدء العد التنازلي من أديس أبابا بشأن تخزين المياه، ودون إبداء أي اعتبار لصانع القرار المصري في واحدة من أخطر القضايا المرتبطة بالأمن القومي المصري،ويرتبط قلق الوزير الإثيوبي من لجوء مصر لمجلس الأمن بإمكانية استصدار قرار يمنع اتخاذ أي إجراءات أحادية من دون التوصل لاتفاق، حيث يعتبر البدء في تخزين المياه بقرار منفرد هو عمل من أعمال العدوان بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؛ وهو ما يعطي لدولتي المصب مصر والسودان باعتبارهما متضررين من الخطوة الاثيوبية؛ حق الدفاع المشروع عن النفس.
الملاحظة الخامسة
“كان يجب أن يكُن السد سببا للتعاون والتكامل الإقليمي وليس سببا للخلافات”؛ مقولة ذكرها الوزير الإثيوبي في الحوار دون أن يحقق معناها، فهو نفسه الذي زعم أن بعض المصريين “يتوقون إلى اندلاع حرب”؛ وهو تصريح يخالف الواقع وجميع المبادرات والخطوات التي اتخذتها مصر خلال الفترة الماضية على المستوى السياسي، خاصة وأن المخاوف من السد مرتبطة ليس فقط بكميات المياه التي سيتم تخزينها في بحيرته ولكن بسلامته الإنشائية وقدرة الموقع الذي تم بناؤه فيه على تحمل الزلازل والعوامل المناخية وغيرها من التفاصيل، خاصة وأن السد حال انهياره بعد ملء بحيرته سيؤدي إلى أضرار كارثية على مصر والسودان، كما أن التصريحات الرسمية أكدت بشكل واضح على دعم التنمية في إثيوبيا من دون الإضرار بمصالح مصر المائية.
*باحث ماجستير بكلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة