"العهد" النسخة الصعيدية من Game of Thrones
نقلاً عن جريدة المقال
إيهاب التركى
لماذا يلجأ مؤلف ناجح إلى الإقتباس من مسلسل أمريكي شاهده العالم كله؟
متى تتوب الدراما المصرية عن لطش أفكار هوليوود وتتجه للتراث الشرقى؟
لا أتحمس عادة للأفلام والمسلسلات المقتبسة عن أعمال درامية أخرى، الحياة والواقع والتاريخ كنز لا يفنى من الحكايات التى تصلح للمعالجة الدرامية، يبقى دائماً للعمل الدرامى الأصلى طزاجة الابداع الأول، وروح الابتكار الأولى، وصفاء الفكرة البكر التى لم تلوثها افتكاسات وتخاريف وفتاوى الكاتب المفلس الذى يستسهل السطو على ابداع الأخرين ويعيد صياغته وتزيينه وطلاءه ليقدمه للمشاهد كانه عمل جديد، تفعل هذا هوليوود نفسها حينما تُفلس فى العثور على أفكار جديدة فتقتبس الدراما الأوربية وتقوم بعملية أمركة ويكون الناتج فى النهاية عمل أعرج لا يوازى الأصل، لكن يُحسب لهوليوود دائماً انها تنسب الاقتباس لأصحابه، واذا لم يكن الاقتباس حرفياً تكتب على التترات أن هذا العمل مستوحى من العمل الفلانى.
العودة للأجواء التاريخية كاطار للدراما يمكن أن نقول انه موضة درامية عالمية معاصرة ناجحة للغاية، قبل رمضان بأيام انتهى الموسم الخامس من دراما الفانتازيا التاريخية Game of Thrones «لعبة العروش» أو «صراع العروش» فى ترجمة أخرى، وهذا المسلسل الأمريكى المأخوذ عن روايات الكاتب الأمريكى جورج آر. آر مارتن بدأ عرضه عام 2011 ، وهو من أكثر الأعمال الدرامية العالمية نجاحاً، استخدم مارتن حبكة التاريخ البديل حيث يحكى صراع خيالى بين سبع ممالك على السلطة والنفوذ فى زمن غير محدد، وان كان يشبه كثيراً العصور الوسطى الأوربية. تميزت كتابة مارتن بكسر قواعد توقعات القارىء ونقل هذا الى الشاشة بالتعاون مع كاتبا سيناريو العمل ديفيد بينوف ودانيال وايز، يقوم هذا الثلاثى بمفاجئة المشاهد بقتل عدد كبير من الشخصيات، ومنها شخصيات رئيسية صدم موتها كثير من المشاهدين كما صدمنا «محمد أمين راضى» مؤلف مسلسل العهد بقتل سوسن بدر فى الحلقات الأولى من مسلسله، وقيام هنا شيحة بقتل جدتها وأمها وأشقائها قبل نهاية الحلقة الثانية. يطلق البعض على الكاتب الأمريكى لقب السفاح، وقد قال فى حوار له انه يرغب فى أن يشعر القارىء بالرعب من أن يقلب الصفحة خوفاً على مصير بطله المفضل، على الشاشة المذابح الفجائية الصادمة وقتل أحد الأبطال الرئيسيين من العلامات المسجلة فى «لعبة العروش»، حدث هذا مع بطل الموسم الأول الممثل شون بن الذى كان أحد أبطال سلسلة أفلام «ملك الخواتم» وجسد شخصية اللورد الطيب المحبوب ند ستارك فى المسلسل، انتظر المشاهدين فى مشهد اعدامه بالسيف أن تحدث المفاجأة الدرامية ويتم انقاذه فى اللحظة الأخيرة، وكان المشاهد على استعداد تام فى هذه اللحظة المؤثرة التسامح مع أى حل درامى حتى لو حل أهبل لانقاذه، لكن السيف سقط على رقبته التى تدحرجت على الأرض وسط ذهول المشاهدين، وحظى هذا المشهد بمرتبة متقدمة كأكثر المشاهد الصادمة الغير متوقعة فى الدراما التليفزيونية العالمية.
لماذا كل هذا الرغى عن مسلسل أمريكى ونحن فى شهر مسلسلات شهر رمضان الكريم؟
السبب ببساطة ان المسلسل الأمريكى ظل يلح علىً وأنا أشاهد الدقائق الأولى من الحلقة الأولى من مسلسل «العهد»، حالة العمل الذى أخرجه خالد مرعى بشكل عام يجعل أى متابع للمسلسل الأمريكى يشعر بهذا الشعور، ولو كان الأمر مجرد تأثر سطحى بأجواء العمل الأمريكى لم يكن الأمر يستحق التوقف عنده كثيراً، لكن العمل الأمريكى يبدو انه سحر كاتب وصُناع المسلسل بصورة واضحة فاضحة للغاية، وكانهم اتفقوا انهم عاوزين يعملوا مسلسل زى «لعبة العروش» من غير ما حد ياخد باله انه مأخوذ من العمل الأمريكى، لكن النتيجة اننا أمام نسخة صعيدية من «لعبة العروش»، فى الأمريكى سبعة ممالك فى قارتين خياليتين تتصارعان على عرش السلطة والنفوذ، وفى النسخة الصعيدى ثلاثة كفور تتصارع على كرسى السلطة والنفوذ، من الأخر نحن أمام «صراع الكفور»، و هم الكفور الثلاثة: كفر القلعة، وكفر نطاط الحيط، وكفر النسوان، وهى كفور تحمل اسقاطات على سلطة رجال الدين ورجال المال وسلطة القانون والعدل الذى يرمز له بالعهد، بالاضافة الى ذلك يشترك العملين فى أجواء المؤمرات والدسائس والاعدام والقتل والانقلابات المفاجئة لولاء الشخصيات، والعنف المفرط الذى لا يميز بين غريب وقريب.
شخصيات عديدة فى «العهد» يصعب ملاحقتها واستيعاب العلاقات بينها وتذكر أسمائها الغريبة، تتلامس كثير منها مع شخصيات من «لعبة العروش» بعد تغيير تفاصيل فيها، وأحياناً بعد دمج شخصيتين أو ثلاثة فى شخصية واحدة، الطفلة سحر التى تقص جومر شعرها وتجعلها ترتدى ملابس الصبيان وتعاملها على انها ابنها الهارب مهيب تذكرنا بالطفلة التى تتصرف كالصبيان (اريا ستارك)، وقد قصت شعرها وتنكرت كولد فى مرحلة من المسلسل، أما محاولتها تعلم المبارزة بالسيف الخشبى انتقلت الى شخصية مهيب الذى يعلمه مشعل الديب المبارزة بعصا التحطيب، مهيب الطفل وحكايته مع خُن الثعابين وبيض الثعابين قريبة الشبه من حكاية الفتاة (كاليسى) وحكايتها مع التنانين، وكلاهما استخدم (الثعابين – التنانين) لمهاجمة (مملكة- كفر) للاستيلاء على الحكم، وشخصية مولانا التى يؤديها صبرى فواز تشبه بتصرف شخصيتى (لورد باليش) و(لورد فاريس) بنفس الهدوء والغموض والكاريزما، وهما شخصيتين ماكرتين تعتمدا على المكر والتلاعب بالعقول وبشبكة علاقات واسعة.
أيضاً شخصية أُوبىً الفتى المعاق قعيد الفراش ابن سجاج هى شخصية (بران) ابن (ند ستارك) الذى أصبح معاقاً بعد دفعه من أعلى أحد المبانى عمداً، كبير كفر النسوان الذى ينفرد بالزواج ومعاشرة نساء الكفر وحده حتى يحافظ على نقاء سلالة الكفر تقترب من شخصية (كراستر) الذى كان يعاشر بناته ويحمل منهن، ولا يسمح لهن بالزواج من أغراب وكانت نهايته مذبحة على نفس الطريقة التى قامت بها صبا مبارك والنسوة معها.
هذه بعض من كثير مما أخذه المسلسل من العمل الأمريكى وشخصياته، وكل هذه الملاحظات من الحلقات الخمس الأولى فقط.
للكلام المباح عن «العهد» بقية.