بكيت حين أعلنت جماعة الإخوان المسلمين وصول مرشحها المخلوع محمد مرسي لحكم مصر، مؤكد مصر أكبر من أن تحكمها جماعة مشكوك في تاريخها وولائها للوطن، جماعة ميولها عبر تاريخها لمن يدفع أكثر، سواء الملك، أو إنجلترا، أو فرنسا، أو قطر وتركيا، غير أنني تمالكت نفسي سريعا وكتبت حكايتي معهم في تدوينة على موقع التواصل الإجتماعي فيس بوك، وأتبعت التدوينة بأخرى، حتى أصبح كتابا نشرت حلقاته مسلسلة في مجلة المصور عام 2012، بعد أقل من شهرين من وصول الجماعة الإرهابية لحكم مصر، تدوينات حاولت أن أُجِب فيها عن سؤال: لماذا بكيت من سيطرة هؤلاء على حكم دولة صاحبة واحدة من أعرق الحضارات في التاريخ؟!
نشأت طفلا لأسرة شديدة الفقر تعيش في إحدى قرى مركز كرداسة، كنا سبعة أفراد نسكن غرفة صغيرة، أبحث عن موقع قدم كى أنَم في نهاية اليوم، في تلك الفترة تلقفتني يد الإخوان، قدموا أنفسهم لأسرتي كجماعة دينية تحفظ الأطفال القرآن والحديث، وحكايات الصحابة، وبدأت الرحلة التي استمرت لسنوات عشر، منذ كنت طفلا في الصف الخامس الابتدائي، وحتى أنهيت دراستي الجامعية، وفي تلك السنوات حاولت أن أبحث عن ماهية تلك الجماعة، لكنني لم أجد سوى ما كتبته أيديهم عن تاريخهم المظلم، فالجماعة في نظر من كتبوا تاريخها جماعة مناضلة، حاربت الاستعمار، وقاومت الإنجليز، وأنقذت الجيوش العربية في حرب فلسطين، تلك الجيوش التي لم تستمع لنصائح حسن البنا وانتهى بها المآل إلى فضيحة حربية مدوية، الإخوان في كتبهم هم من قاموا بثورة يوليو، تلك الثورة التي سرقها الجيش، الإخوان هم من حرروا أفغانستان من احتلال الروس، الإخوان في كتبهم هم من قادوا المظاهرات لمناصرة الدول العربية، في كتب الإخوان هم من تزعموا الدعوة لتحرير فلسطين من يد الاحتلال، بمساعدة ذراعهم المسلح في غزة، جماعة حماس، الإخوان في تاريخهم هم من فعلوا كل شئ حميد عبر تاريخ مصر المعاصر، والمصريون من غير الإخوان هم الخونة والعملاء، من باعوا أنفسهم للشيطان مقابل المال، بسبب كتب الإخوان كرهت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ذلك الرجل الذي حارب الإسلام كما علمونا، وكرهت السادات الذي قتلوه غدرا بعد أن أخرجهم من السجون، كرهت مصر، ذلك الوطن الذي يقف حائلا أمام تطبيق دولة الخلافة الإسلامية، الخلافة التي نكون فيها ولاية في الحلم الأكبر، حلم يكون مقره تركيا، نستعيد به أمجاد الدولة العثمانية، هذا هو تاريخ الإخوان كما كتبوه وكما تربيت عليه، حتى قامت ثورة يناير، ثم ثورة يونيو 2013، وسقط في يدي كتاب الطلبة والسياسة في مصر للراحل أحمد عبد الله رزة، أحد أهم المناضلين في تاريخ مصر المعاصر، وكتابه كان رسالته للدكتوراه عن تاريخ الحركة الطلابية في مصر، وترجمته للعربية إكرام يوسف.
في الكتاب وثق رزة كيف باع إخوان حسن البنا مصر للملك فاروق، وكيف خذلوا الشباب في واحدة من أكبر ثورات مصر ضد الإحتلال الإنجليزي عام 1946، عندما خرج أحد شباب الإخوان خطيبا في الناس ممتدحا رئيس وزراء مصر إسماعيل صدقي، مشبها إياه بآية في القرأن الكريم:”واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا”.
في كتاب رزة عرفت قصة الشهيد عبد الحكم الجراحي، الذي مات شهيدا بثماني رصاصات في جسده، في انتفاضة 1935 ضد ظلم الملك وقسوة الإحتلال، في الوقت الذي كان حسن البنا وإخوانه يبحثون كيف يسترضون القصر، ويحصلون على معونات مالية من فرنسا وإنجلترا، وعندما قامت ثورة يونيو عام 2013، شاهدت بعيني ولم أقرأ، كيف عاث الإخوان فسادا في الأرض، قتلا وتدميرا في كل شئ، مناصرة لدول تبذل الغالي والنفيس فقط حتى تسقط مصر، ولن تسقط!