تخرج علينا المواقع الاخبارية والصحف بأخبار من نوعية طالب ثانوى يخترع جهاز لفلترة مياة الحنفية، أو طالبة اعدادى تخترع جهاز لحل أزمة الكهرباء، وأخر فى ثانوى أيضاً يخترع جهاز لتحلية مياه البحر، والمشكلة فى هذه الأخبار اذا قرأت تفاصيلها ليس فى حالة الاحتفاء المبالغ بها فى الصحافة وأحياناً برامج التوك شو، بل فى انها فى حقيقتها اختراعات تم اختراعها من قبل وليس فيها شىء جديد، وانها فى الأغلب اعادة تنفيذ لأجهزة موجودة بالفعل، وهذه الحالة التى ندعى فيها اختراع شىء جديد ونصدق أنفسنا هى نفسها التى تحدث حينما تخترع الدراما لون جديد من المسلسلات ثم نكتشف انه مستوحى من عمل أجنبى، والسينما والدراما التليفزيونية مُقتَبِسة بطبعها، لا تعنى قدرة الكاتب على طمس التفاصيل وتتويه ملامح الأصل، وفك وتركيب الشخصيات الأصلية بشطارة انه صنع عملاً مبتكراً وأصيلاً.
لم يكتف مسلسل «العهد» للكاتب محمد أمين راضى والمخرج خالد مرعى بما ذكرته فى المقال السابق من الاستعانة بمسلسل «لعبة العروش» مصدراً ومعيناً لا ينضب لحبكته وشخصياته بعد اعادة تصنيعها، بل منذ مشاهدة الثوانى الأولى من الحلقة الأولى صدمنى أن فكرة التتر مسروقة، وكانت هذه استهلالة سلبية لعمل ابداعى يدعى انه مختلف ويقدم شىء مختلف، ولكن هذا المختلف لم يجد فكرة مبتكرة لتتر بداية ونهاية العمل الذى نشاهده 60 مرة سوى الاستيلاء على فكرة مبتكرة وجميلة بالفعل، ويصور تتر «العهد» من خلال تأثيرات الحبر الأسود المسكوب على الورق شخصيات المسلسل ورموز من وحى الحكاية بأسلوب فنى رشيق يعرض بقع الحبر وهى تتشكل على لوحة التتر البيضاء فتصنع أشكال بالأبيض والأسود، وهذه هى نفس فكرة تتر المسلسل الأمريكى التاريخى Marco Polo «ماركو بولو» وهو عمل ملحمى كبير يحكى مغامرات الرحالة ماركو بولو على طريق الحرير التجارى الذى ربط بين أوروبا والصين، والعمل تناول فى موسمه الأول الفترة التى قضاها ماركو بولو فى الصين فى كنف الامبراطور الصينى قوبلاى خان حفيد الامبراطور جنكيز خان، وهذا المسلسل شارك فيه الممثل المصرى عمرو واكد بدور يوسف مستشار ونائب ولى العهد، والتتر نفذته شركة The Mill المتخصصة فى المؤثرات والخدع، وحصلت على جائزة عنه هذا العام، وجاء صناع «العهد» وأخذوا الفكرة على الجاهز وأعادوا تنفيذها كانها اختراع خاص بهم.
مسلسل «العهد» من الأعمال التى يصعب توقع مسارها كعمل درامى ناجح أو فاشل، هى نوعية درامية تعتمد على المغامرة فى كل شىء، الموضوع والأداء والحالة العامة التى تلعب على الشكل المختلف الغير معتاد فى الدراما التليفزيونية، هذا النوع من الدراما يخلق له جمهور خاص، أجواء الغموض محببة فى هذا النوع، استخدام السحر والأجواء المقبضة والاضاءة الخافتة والموسيقى المضفورة بمشاهد القتل والمؤمرات والدسائس وجمل الحوار التى تخفى فى طياتها اسقاطات ومعانى لها أبعاد فلسفية كلها عناصر من جاذبية دراما الغموض والفانتازيا.
الاعلامى عمرو أديب قال فى برنامجه القاهرة اليوم منذ أيام ان أبطال العمل قالوا للمؤلف انهم لا يفهمون العمل، وهو رد عليهم انهم سيفهمون كل شىء لاحقاً، وهذا الأمر ان صح يطرح عدة تساؤلات، أولها أن نجوم العمل وافقوا علي عمل جديد دون فهمه بناء على نجاح تجربة مسلسل «السبع وصايا» و«نيران صديقة» لنفس المؤلف والمخرج، وليس بناء على سيناريو عمل قرأوه كاملاً، أو جزء كاف منه لفهم مضمونه، والأمر الثانى هو غموض العمل حتى على الممثلين الذين يقومون بأداء الشخصيات باستحضار حالة أداء غموض تجريدية.
الغموض حاضر بقوة فى كل حلقات المسلسل حتى الان، ولا أرى هذا الكم المكثف من الغموض فى صالح العمل، ولو استمر المسلسل على هذه الحال كثيراً ستموت الدراما داخله بأوفر دوز الغموض، ليس مطلوباً من المشاهد أن يموت من الاثارة مخنوقاً باسفكسيا الضباب الدرامى وهو يشاهد عمل شكله جميل وموسيقاه حلوة وهو مش فاهم حاجة، من المؤكد ان هناك تفسيرات قادمة ولكن يجب الحفاظ على أرضية معقولة من المعلومات حتى لو كان مغلوطاً ليستطيع المشاهد اكمال المسيرة معها حتى النهاية.
فى النهاية من المدهش أن كل من شاركوا فى العمل لم يعرفوا انهم يتعاملون مع نص مستوحى من عمل أجنبى لا زال يعرض حتى الآن، مسلسل «لعبة العروش» يعرض منذ عام 2011 ، ومن المفترض أن أبطال العمل ومهنتهم التمثيل تابعوه باعتباره واحد من أهم مسلسلات الدراما العالمية الحالية، وجهلهم به وجهل بعض من كتبوا تعليقاً عن المسلسل مفزع بالفعل، فاذا لم يكن أصحاب المهنة متابعين للأعمال العالمية المشهورة وهذا واحد من أهمها، ماذا نتوقع من مصير للدراما؟ أعمال ضعيفة متوسطة المستوى نصفق ونهلل لها كانها فتوحات عظيمة فى فن الدراما، ننبهر بها ونتعامل معها على اننا وصلنا الى منافسة المستوى العالمى.
للكلام المباح عن «العهد» بقية.
اقرأ أيضًا: