محمد حسن سلامة
ازدادت فى الفترة الأخيرة الدعوات المؤيدة للاعتراف بحقوق المثليين وتصدرت قضية المثلية الجنسية المشهد العام وأصبحت حديث الناس على منصات التواصل الإجتماعى أو فى المناقشات العامة، ما بين مؤيد باعتبارها حرية يجب الدفاع عنها ومعارض بدافع ديني غالبا، وما بين هذا وذاك غاب النقاش الموضوعي لقضية مهمة جدا ولها تأثيراتها الهائلة على المجتمعات، وهنا أحاول طرح القضية من منظور آخر لا علاقة له بالدين وإنما من وجهة نظر مجتمعية بحتة.
تشير الأبحاث الديموغرافية (المتعلقة بتعداد السكان) فى أوروبا إلى مشكلة كبيرة تهدد بقاء السكان ألا وهى مشكلة تناقص معدل المواليد بشكل خطير مقارنة بمعدل الوفيات، فحسب بيانات يوروستات (المكتب الإحصائي للإتحاد الأوروبي) فى عام 2015 ولد 5.1 مليون طفل في الاتحاد الأوروبي، في حين توفي 5.2 مليون شخص، وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي لأول مرة في التاريخ الحديث يسجل انخفاضا طبيعيا في عدد سكانه، ففي هولندا من المتوقّع أن يفوق عدد الوفيات بدءا من عام 2039 عدد المواليد، بينما تعتبر ألمانيا من أقل معدلات الخصوبة فى العالم وتعاني من تراجع في عدد السكان بسبب تناقص الولادات الطبيعية، ويتوقع المكتب الفيدرالي الألماني للإحصاء أن ينكمش سكان ألمانيا بمقدار 15 مليون نسمة بحلول عام 2060، وهى ذاتها المشكلة التى تعانى منها فنلندا الأمر الذى دعاها لتقديم منح حوافز للأباء والأمهات لتشجيعهم على إنجاب الأطفال، تراوحت هذه المنح ما بين 200 – 10000 يورو حسب البلديات، وانخفض معدل الخصوبة فى إيطاليا حتى وصل إلى أدنى مستوى له فى عام 2018 إذ بلغت 1.3 طفل لكل امرأة، ونفس المشكلة تعانى منها دول مثل السويد وفرنسا ولكن بنسب أقل.
بحسب دراسة اعدها معهد ماكس بلانك للبحوث الديموغرافية في مدينة روستوك الألمانية فإن عدد كل جيل سيقل عن سلفه بنسبة 25%، وبحلول عام 2050 سيتناقص عدد سكان دول أوروبا بنحو 50 مليون نسمة، كما أن متوسط الأعمار فيها سيزيد 10 أعوام، هذا التراجع السكاني يثير قلقًا كبيرًا في الأوساط السياسية والاقتصادية الأوروبية؛ لما له من آثار سلبية على النمو الاقتصادي الأوروبي، فتراجع عدد المواليد يعني نقص الأيدي العاملة وارتفاع نسبة الشيخوخة، وبالتالي زيادة الإنفاق على معاشات التقاعد الذي قد يؤدي إلى عجز أوروبا عن تحقيق تطورات اقتصادية تضمن لها التفوق أمام قوى الاقتصاد العالمية الأخرى.
فى ظل كل هذه المؤشرات الموثقة بالتقارير والدراسات أعلاه نستطيع أن نتناول قضية المثلية الجنسية، وهنا يجب أن نفرق بين التحول الجنسي (Transgender ) وهم الذين يشعرون أنهم ولدوا على الجنس الخطأ وأن كل المؤشرات تشير لذلك وهذا يعتبر نوع مرضي يتم حله طبيا باجراء عملية تغيير/تصحيح جنس وهذا شئ منطقى وطبيعى، وما بين النوع الآخر وهو مثلي الجنس، رجل مع رجل أو امرأة مع امرأة (Gay – Lesbian) وهؤلاء يختارون بإرادتهم الحرة أن يكونوا مختلفين وشاذين عن المجتمع ويقيمون علاقات لا ينتج عنها تكاثر، فلو فرضنا جدلاً أن نصف سكان العالم تحولوا إلى مثليين فهذا معناه بكل بساطة أن عدد سكان العالم سيقل للنصف بعد مرور حوالى 60 سنة وهو متوسط عمر المثليين، وهذا مثال بسيط يبين لنا مدى الخطورة والدمار الذى يمكن أن يسببه تعميم قضية المثلية الجنسية وانتشارها فى المجتمعات.
من المفارقات العجيبة أن أكثر الدول التى تعاني من انخفاض معدلات المواليد مثل هولندا وألمانيا هى أوائل الدول التى اعترفت وقننت حقوق المثليين وكأنها تستجلب فناءها بنفسها.
حريتك تقف عند حريات الآخرين والدعوة إلى مسميات تحررية تافهة تسعى لتفكيك كل العلاقات التي تربط الإنسان بعائلته، بأبوته أو أمومته وتدمير مفهوم الأسرة الخلية الأساسية التى يتكون منها أى مجتمع، لا تعتبر حرية بل هى جريمة يجب مواجهتها لأنها تشكل خطرا كبيرا على استمرار الجنس البشري وتجدده، وهى ببساطة دعوة صريحة للفناء.