طارق الشناوي
في إحدى الجلسات، سألت رجاء الجداوي متى تكتب مذكراتها؟ مع أول صفحة عاشتها تلك الطفلة في بيت تحية كاريوكا، ورصدت بعيونها الكثير من الحكايات السياسية والاجتماعية والفنية فى بيت خالتها، قالت لي: أنا لا أملك ملكة الكتابة، ولم تمنحني خالتي تفويضًا بأن أحكي سيرتها، وأضافت: في أحاديثي عبر الفضائيات أجبت عن كل الأسئلة، وبلا حرج، حياتي مُسجَّلة بالصوت والصورة، وليس فيها شيء لم أذكره للناس، المعاناة والإحباط والاحتياج أوسمة على صدري، نعم تحية كاريوكا منحتني الكثير من الرعاية، عشت مرحلة مبكرة وفي فمي ملعقة من ذهب، بعد ذلك اعتمدت على نفسي، ولم أملك وأنا طالبة بالثانوية ترف شراء حذاء بـ99 قرشًا.
الفضائيات سجلت حياتها في الأيام الأخيرة حتى لحظة الوداع، أعمق تعبير وصف تلك اللحظات هو ما ذكرته أميرة حسن مختار، الابنة الوحيدة لـ”رجاء”، عندما قالت لـ لميس الحديدي، عبر برنامجها (القاهرة الآن)، في قناة (الحدث)، كان (يومًا جميلًا)، قطرات الدموع ملأت ساعة ونصف الساعة زمن البرنامج، أصدقاء “رجاء”- مثل دلال عبد العزيز ويسرا وإلهام شاهين- لا يتوقفن عن البكاء، و”لميس” لم تستطع السيطرة على مشاعرها، بينما جاء توصيف (يوم جميل) يطبطب على المكلومين.
هل نقدم حياتها في عمل درامي؟ “رجاء” رفضت المشاركة في مسلسل تناول حياة تحية كاريوكا لأن جزءًا من الورثة كانوا غاضبين، ولم تشأ أن تقف على الجانب الآخر، لم تؤدِّ دورها في المسلسل كما كان مقترحًا في البداية، رغم أنها عاشت داخل المستشفى مع خالتها في أيامها الأخيرة، ولكنهم تجاهلوا ذلك، وقدمت الأحداث سمير صبري فقط يرعاها، “رجاء تستحق” أن نتأمل حياتها، الوجه الاجتماعي لتلك الفتاة وهي في نهاية الخمسينيات، لتصبح ليست فقط (مانيكان) شهيرة، بل أيقونة مصرية تجبر الجميع على احترام تلك المهنة، ظلت حتى اللحظات الأخيرة تشارك مصمم الأزياء هاني البحيري في وضع لمساتها، وأطلق “هانى” اسمها على آخر (ديفيليه) أقامه قبل بضعة أشهر.
هل كانت “رجاء” ستوافق على تقديم حياتها في عمل درامي؟ ليست لدي إجابة قاطعة، أتذكر أنني بعد رحيل فاتن حمامة سألت د. محمد عبد الوهاب، أستاذ الأشعة، أرمل السيدة فاتن، إلا أنه رفض تمامًا الفكرة، أكد لي أنه لن يكتب مذكراتها، ولا حياته معها، واعتبرها منطقة محرمة، رغم أنه عاش 40 عامًا زوجًا لها، وهو ما سبق أن أعلنته مديحة يسري قبل رحيلها بعامين، وشادية أوقفت تصوير مسلسل عن حياتها.
بينما نور الشريف قبل أكثر من عشر سنوات قال لي إنه يكتب بالفعل مذكراته، عندما سألت بوسي عن تلك الأوراق؟ قالت لم أعثر على شيء، وأضافت: ربما كانت لديه الرغبة، ولكن عمليًا لم يكتبها.
مشوار رجاء الجداوي زاخر بمعانٍ ومواقف متعددة تستحق التأمل، الاحترام والأناقة والشياكة عناوين لها، والمشهد الأخير يُوثِّق حالة التنمر التي تابعناها على (النت). أصحاب المشاعر السوداء وجدوا في رحيل هذه السيدة، الفنانة الرائعة، فرصة للتنفيس عن الأحقاد التي سكنت قلوبهم، بينما “رجاء” في السماء الآن تدعو لهم بالهداية والمغفرة!!
نقلا عن المصري اليوم