إسراء إبراهيم
تشهد الفترة الحالية حراكًا واسعًا بشأن قضايا التحرش التي تتعرض لها النساء في مصر؛ وذلك على خلفية القضية الأشهر في الوقت الراهن والتي اتُهم فيها الشاب أحمد بسام زكي، إذ توالت شهادات الفتيات حول المتهم، ووصلت الاتهامات بتحرشه بنحو 100 فتاة واغتصاب طفلة.
قصة “زكي” دفعت المجتمع للتضامن مع ضحايا التحرش، وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلا مع القضايا وتصدرت “هاشتاجات” داعمة للفتيات في تلك القضية، ومناهضة للتحرش بشكل عام، وأخرى لكشف المتحرشين، الأمر لم يتوقف عند مسخدمي “السوشيال ميديا” فقط، فساهم دعم الفنانين في وجود القضية على الساحة بشدة، ولعل أبرز الداعمين لوقف التحرش ودعم الضحايا هي الفنانة رانيا يوسف والفنانة سمية الخشاب.
يحاول المجتمع الآن بصورة ما، تغيير مفاهيم الأشخاص المتحرشين، عن طريق الضغط والقوة المجتمعية، وتخويفهم بالقانون الرادع والذي ساهم بشدة خلال قضية “زكي” في الثقة بعض الشيء في الحصول على الحقوق بالشكل القانوني، كما تسعى السيدات لمحاولة وضع قوانين رادعة تمنع تلك الظاهرة من جذورها دون رأفة بالظروف والمبررات التي توضع للشباب المتحرشين والمغتصبين، والتي ساهمت على مدار سنوات في ضياع حقوق المرأة.
الغريب في ذلك الأمر، هو وجود سيدات يحاربن النساء اللاتي يردن الحصول على حقوقهن بطرق قانونية وعلنية دون الخوف من الضغط المجتمعي، فمن خلال متابعة “السوشيال ميديا” والمواقع الإخبارية على مدار الأيام الماضية، نجد ظاهرة مهاجمة المرأة للمرأة بارزة جدا، خاصة فيما يتعلق بقضايا التحرش، أو أي قضية تحاول الحصول على حقوق المرأة.
بعيدا عن اتفاقنا في رؤية تناول القضية أو اختلافنا معها، حاول مسلسل “ليه لأ” توصيل رسالة على الأقل هي أن يسمح الأهل لبناتهم بحرية الاختيار وتقرير مصيرهن، تلك الرسالة لم تقابل من الفتيات بشكل مرحب به، فعلى “الجروبات النسائية” كان المسلسل يهاجم بشدة ليس لأن المسلسل لم يتناول الطرح جيدا، بل للفكرة نفسها وهي حرية الاختيار، فكانت هناك العديد من الفتيات اللاتي يستمتن في إثبات أن (ضرب، منع، حبس، تعنيف) الأهل للمرأة هو من أجل مصلحتها، لأنهم يرون ما لا تراه، وهو أمر غريب، فكيف ستستطيع من تفكر بتلك الطريقة أن تربي جيلا صالحا؟
ما تعانيه النساء حاليا ناتج من تربية الأمهات في الأصل لأبنائهن، فتعلم الابنة منذ الصغر الخنوع والخضوع وعدم إبداء رأيها في أي شيء، في حين تسمح للابن بحجة أنه رجل بكل ما هو مخالف لكل شيء أخلاقي وديني، لكن تسمح به العادات والتقاليد للرجال في مجتمعنا!
العادات المجتمعية تتصدر
في مشهد آخر، نجد أن السيدة التي تحاول توضيح أن ملابس المرأة ليست لها علاقة بالتحرش، تقابل بوابل حاد من الشتائم والسباب، لأنهم يفهمون أنها تريد أن تنشر فكرة “العري”، لكن في الأصل السيدات يحاولن إيصال معلومة أخرى هي أن الضحية ليست السبب، فكافة أطياف الفتيات بأشكالهن سواء محجبة، طفلة، منقبة، عارية، ملتزمة، إلخ، تعرضن للتحرش لفظيا أو جسديا ولو مرة على الأقل، الالتزام الديني هنا لم يمنع التحرش فهناك حالات شهدتها المحاكم وأقسام الشرطة، بل وفيديوهات مصورة للتحرش بمحجبات ومنقبات، لكن المرأة تتهم المرأة بأنها سببا في التحرش بها!
عندما تحاول إحدى الفتيات إعلان أو وصف تجربة تحرش تعرضت لها، نشهد أن النساء أو الفتيات يعلقن على الأمر بشيء مثل (أنتي اللي عايزة، أنتي اللي لابسة، أنتي مش حلوة عشان يتحرش بيكي، اتعمى عشان يبصلك.. إلخ)، فبعض السيدات لا يفكرن إلا في لوم الضحية، خاصة إذا كانت غير محجبة نجد الأمر يصل لاتهامها بأشياء أخلاقية لمجرد أنها حاولت أن تحصل على حقها دون صمت، كما لو حاولت سيدة ما الحصول على حقها بيدها في الشارع بعد تعرضها لموقف تحرش، تتهمها السيدات بأنها منحلة أخلاقيا، فلا توجد سيدة محترمة على حد وصفهن ترفع صوتها أو يدها على متحرش أو مغتصب! لأنه “عيب”!
في مشهد أجده مستفزا للغاية، نجد بعض السيدات يحاولن في الوقت الراهن إثبات تعرض الرجال للتحرش من قبل سيدات، بالطبع قد يكون الأمر موجودًا ويحدث كثيرا، لكن إلام تسعى هؤلاء السيدات في وقت يحاول المجتمع بكل أطيافه تغيير القوانين لردع المتحرشين؟ هل لو تعرض الرجل للتحرش سيتعرض للاغتصاب؟! هل سيسكت عن حقه؟ هل سيصاب بخوف شديد يدفعه للخوف من الخروج للشارع؟! المقارنة هنا ظالمة للغاية وغير مبررة، وليس توقيتها نهائيا.
إذا كن من يحاولن إثبات التحرش بالرجال يفهمن جيدا ما تعانيه الفتيات من قهر وخوف واستسلام، وسمعون الحكايات والقصص التي تدمي القلوب، لن يتحدثن بأريحية مطلقة كمقارنة عادية تتساوى فيها جميع الأطراف، هل قُتل رجل من قبل بسبب تعرضه للاغتصاب؟ هل أُجبر على الزواج من المتحرش أو المغتصب؟ هل تعرض للضرب ومنعه من الخروج؟ هل الرجل لا يستطيع الحصول على حقه في مجتمعنا؟ المقارنة غير عادلة بالمرة وليس وقتا مناسبا لها على الإطلاق، في وقت تحاول فيه الفتيات الحصول على حقوقهن، فلسنا في مبارزة لإثبات من يُتحرش به أكثر من الثاني.
الأمر لا يتوقف فقط عند أمور التحرش والاغتصاب، فبعض قضايا حقوق النساء أو الدفاع عن كرامة المرأة، تجد السيدات يدافعن مثلا عن ضرب الزوج للزوجة أو الخطيب لخطيبته بحجة “الاستفزاز”!! رأيت على إحدى الصفحات الإخبارية مقطع فيديو لسيدة تقبل قدم زوجها في مشهد أثار الجدل، وحاولت الصفحة الإخبارية سؤال الناس عن رأيهم في الموقف، وجدت أن الرجال أكثر الناس رفضا للموقف للحفاظ على كرامة زوجاتهم، مشيرين إلى وجود وسائل تعبيرية أخرى لتوصيل الشكر والامتنان، على النقيض تدافع السيدات بشدة عن الموقف بل ويصل بهن الأمر للرد على تعليقات الرجال للدفاع عن موقف السيدة، وتخبره بأنه لا شأن له بالتدخل!
الأزمة الحالية حلها أن تعرف النساء جيدا حقوقهن، وليس ما تربين عليه من عادات غير إنسانية تظلمهن في المقام الأول، ثم يظلمن أولادهن الذين سيتربون على تلك المفاهيم الخاطئة، والحقوق لا تعني بالضرورة الخروج عن الدين أو الأخلاق، ولا يوجد صلة بين ذلك الأمر وذاك إطلاقا، ويبقى السؤال: متى ستفهم النساء حقوقهن وضرورة مساندة الضحية لا لومها؟!