نقلا عن جريدة المقال
فى العام قبل الماضى بدأت حالة الانبهار بفكرة مسلسل الغموض والاثارة، الثنائى محمد أمين راضى كاتبا، وخالد مرعى مخرجاً قدما «نيران صديقة» بطولة مجموعة كبيرة من النجوم، وجاء العام الماضى بمسلسل «السبع وصايا» الذى شارك فيه بعض نجوم العمل الأول، والعمل الأخير أيضاً «العهد»، منهم صبرى فواز وكندة علوش وسلوى خطاب، وبدت ملامح مشروع نوع من الدراما ركيزته الغموض والفانتازيا، ورغم أن «السبع وصايا» اعتمد على حدوتة ظاهرها موضوع اجتماعى تحركه جريمة قتل أب مجموعة أشقاء واختفاء جثته الا انه ذهب فى اتجاه حالة من الصوفية وجائت نهايته التجريدية لتؤكد ذلك.
هذه الحالة تتفق معها أو تختلف معها أمر، وأن تجد نفسك تتعثر بين ثنايا العمل بمشاهد وجمل حوارية سمعتها من قبل أمر أخر. لفت نظرى تفاصيل صغيرة ومشاهد كبيرة مقتبسة من هنا وهناك فى فى «السبع وصايا»، بعض مشاهد رانيا يوسف وسوسن بدر وسلوى عثمان داخل السجن، وجزء من هذه المشاهد مقتبس من مسلسل Orange Is the New Black «البرتقالى هو الأسود الجديد» وبشكل خاص ودون بذل مجهود فى تغيير تفاصيله مشهد طباخة السجن سلوى عثمان التى تملك نفوذ يتيح لها تهريب أطعمة خاصة للسجينات مقابل خدمات يقدمونها لها، وتوتر علاقتها بالسجينة الجديدة رانيا يوسف التى قالت أمامها أن طعام السجن مقرف دون أن تدرى ان هذا التعليق سوف يكلفها علاقتها بالطباخة، كل هذا المشهد (الحلقة الرابعة) يكاد يتطابق مع مشهد بطلة المسلسل الأمريكى مع طباخة السجن الروسية الأصل، مع تغيير زبادى الفواكه الأمريكى الى سندويتشات جبنة فى المسلسل المصرى.
.
فى «العهد» حوار فى الحلقة الخامسة فى الحلم الذى يقدم جزء الحكاية فى المستقبل، بين الضوى وابنته سوسن التى تزوجت رغم كل الخلاف والمخاطر مهيب الذى استولى على كرسى المكبرة (كرسى كبير الكفر)، يقول الضوى لابنته نصاً: «مش ده اللى كنتى بتشتكى انى عارف انه حيقتلك وساكت؟» وترد: «هو ده الجواز يا مولانا»، ويبدو ان الكاتب تأثر بحوار ايمى دون وزوجها فى مشهد ماستر سين فى نهاية فيلم Gone Girl «فتاة ضائعة» للمخرج ديفيد فينشر، حيث يحاول الزوج الانفصال عن زوجته لانها قاتلة وكاذبة ويخشى على حياته منها، وتبرر ان كل ما فعلته كان من أجله لينتهى الحوار بها تقول: «هذا هو الزواج».
مسلسل «لعبة العروش» له جذور تاريخية تم قتلها بحثاً من قبل مؤرخين متخصصين فى التاريخ ونقاد ومهتمين بالدراما، ويعلم أى شخص مهتم بالعمل الأمريكى جورج أر أر مارتن كاتب الروايات الأصلية استوحى فى رواياته حرب الوردتين وهي حرب أهلية دارت في إنجلترا فى القرن الخامس عشر.
مسلسل «العهد» استلهم لعبة العروش بشخصياتها بحبكتها، مارتن قدم عملاً مبتكراً من وحى قصص التاريخ القديم، بينما مسلسل «العهد» يقدم لنا حتى الآن مقتطفات من هنا وهناك من عمل درامى يتابعه الملايين حول العالم ما عدا هؤلاء الذين يرونه عملاً مبتكراً لانهم لم يشاهدوا الأصل، أو حتى سمعوا وتسامحوا مع الأمر كما حدث عشرات المرات فى أفلام ومسلسلات مصرية نقلت ولطشت دون نسب أفكارهم لأصحابها، وبما أن التاريخ يكرر نفسه، أتوقع بعد هذه المقالات تبريرات من نوع لماذا ننتقد مجهود وعرق وسهر ليالى المؤلف والمخرج والمونتير وعامل الاضاءة وعم حسن بتاع البوفيه؟ ومثل هذه الأراء السطحية تنتمى للمجاملات الاجتماعية، ولا علاقة لها فى النهاية بقراءة أو تقييم عمل درامى نحترم صُناعه ومجهودهم ونختلف معهم.
فى أى عمل فنى حتى لو كان خيالياً أصول من التاريخ أو الأساطير والحكايات القديمة، ولكن ما فائدة الاستعانة بعمل درامى مأخوذ عن روايات تاثرت واستوحت تاريخ غريب عن صُناع العمل الدرامى؟ بمعنى أخر ما فائدة الاستعانة بفرع استلهم أصل؟ مسلسل «العهد» اعتمد على حكايات وشخصيات «لعبة العروش» بعد مجهود فى طمس معالم وتفصيل هذا النقل، وهذا أمر يُفقد العمل المصرى اصالته، والنتيجة التى يقدمها فى النهاية لا أرى فيها حتى الآن الا مجهوداً ملفتاً لأداء أغلب الممثلين، ومحاولة المخرج خالد مرعى تقديم حالة بصرية مختلفة تنتمى لعالم دراما الرعب والفانتازيا، وهناك الديكور والاضاءة والملابس والماكياج، وكلها عناصر مجهودها واضح ورغبتها فى التجويد مثمرة، وهناك موسيقى هشام نزيه وهى موسيقى جميلة وان كانت غرائبية رغم أن العمل فى النهاية يدور فى اجواء صعيدية شرقية كما هو واضح فى ملابس وديكور العمل الذى يحتوى أيضاً على آيات قرآنية على الكراسى الأرابيسك، وهذا جزء من الحالة العبثية التى رقصت على السلم، لم تقدم الزمان والمكان مجرداً تماماً من أى علاقة بالواقع، ولم تقدم زمان ومكان محددين وتبتعد عن هوس الغموض الزائد. فى النهاية هذه ملاحظات عن مساحات الاقتباس والابداع، وليست تقييماً نهائياً للعمل الذى لم يكتمل بعد.
الهوامش
حرب الوردتين هي حرب أهلية دارت معاركها على مدار ثلاثة عقود (1455م-1485م)، حول الأحق بكرسي العرش في إنجلترا بين أنصار كل من عائلة لانكاستر وعائلة يورك ، وقد كان شعارهما الوردتين المختلفتين في اللون (الأبيض والأحمر) فكان أول من أطلق على هذه الحرب مسمى “حرب الوردتين” هو ويليام شكسبير في مسرحيته الشهيرة هنري السادس، حيث كانت الوردة الحمراء شعار أسرة لانكاستر والوردة البيضاء شعار أسرة يورك.
البرتقالى هو الأسود الجديد هو مسلسل تم إنتاجه في الولايات المتحدة وبدأ عرضه عام 2013 على شبكة نتفليكس. المسلسل مأخوذ عن مذكرات للكاتبة بيبر كيرمان وتتحدث فيه عن تجربتها في السجن الذى قضت فيه 15 شهراً بعد نقلها حقيبة نقود مخدرات لصالح صديقتها السابقة، حكم السجن جاء بعد 10 أعوام من الحادثة وبعد أن أصبحت تعيش حياة مستقيمة. ترشح المسلسل لـ 12 جائزة ايمي.
.