محمد إسماعيل الحلواني
كشف موقع “المونيتور” الأمريكي عن الضغوط التي مارستها أنقرة بنجاح على بيروت لملاحقة الإعلامي اللبناني نيشان، مقدم البرامج الحوارية، بسبب انتقاده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في فصل جديد من فصول العلاقة الأزلية بين ما هو سياسي وما هو إعلامي وعلى نحو يدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بحرية التعبير وحرية الرأي.
وتساءل الموقع الأمريكي عن عالم اليوم الذي ينتقد فيه رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وغيرهم من قادة دول العالم ليل نهار، فكيف أصبح انتقاد أردوغان مغامرة محفوفة بالمخاطر؟
ومن المقرر أن يمثل الإعلامي اللبناني “نيشان” أمام المحكمة يوم الخميس، الموافق 8 أكتوبر بتهم مشابهة، ولكن المثير للدهشة أن يواجه “نيشان” هذا الموقف في لبنان وليس في تركيا، ما يشير إلى ضغوط مارستها أنقرة على السلطات اللبنانية، في إشارة أخرى على كيفية انتشار الصداع المحلي في تركيا خارج حدودها وكيف أن “أردوغان” يستغل الانقسامات لزيادة ما يمكنه جنيه من دعم. وسيواجه نيشان دير هاروتونيان -اسمه الكامل- مقدم برنامج مباشر على شاشة تلفزيون الجديد اللبناني، تهم إهانة تركيا، أمام محكمة مختصة بتطبيق قوانين الإعلام والمطبوعات في بيروت.
بدأت قصة “نيشان” مع الرئيس التركي في يونيو الماضي، عندما وجه أحد المتصلين برنامج “أنا هيك” الإهانة لأصول نيشان وجذوره الأرمينية على الهواء، ثم قام المتصل بتوبيخ نيشان، الذي وصف، بدوره، أردوغان بـ “العثماني الخبيث”.
ورد نيشان قائلاً: “بل ابن مليون خبيث، أردوغان والنظام والعثمانيين والأتراك، أنا لبناني أكثر منك، ولي في لبنان أكثر منك وفخور بلبنانيتي أكثر منك”، وقامت الدنيا ولم تقعد.
وأشار “نيشان” إلى أن العثمانيين قتلوا مليون ونصف أرمني، كان يشير إلى المذبحة الجماعية للأرمن العثمانيين في عام 1915، وهي مذبحة اعترف بها العالم على نطاق واسع باعتبارها واحدة من أقدم عمليات الإبادة الجماعية في القرن العشرين.
بعثت السفارة التركية مذكرة احتجاج رسمية إلى وزارة الخارجية اللبنانية زاعمةً أن “نيشان” تجاوز حدود حرية التعبير وطالبت وسائل الإعلام اللبنانية بإظهار الاحترام المطلوب لرئيس تركيا وشعبها.
ألقت الوزارة الكرة في ملعب وزارة الإعلام، قائلة إنه عندما يتم تجاوز الأخلاق المهنية وتتأثر العلاقات مع الدول الأجنبية على أساس المصلحة المشتركة بشكل سلبي، يجب اتخاذ خطوات تتوافق مع القوانين المطبقة، ثم قبل المدعون شكوى جنائية قدمها محام محلي ضد “نيشان” بتهمة إهانة تركيا.
بعد فترة وجيزة من ردود “نيشان”، تجمعت مجموعة صغيرة مشاغبة تدعي جوع أصولها لمقاطعة ماردين الجنوبية الشرقية في تركيا خارج محطة التلفزيون وبدأت في ترديد شعارات معادية للأرمن. ونشر ناشط لبناني مؤيد لتركيا يدعى منير حسن مقطع فيديو على الإنترنت وجه فيه الكثير من السباب والشتائم إلى “نيشان”، وقال حسن: “نحن وأسلافنا الأتراك والعثمانيون فخورون بالمذبحة التي ارتكبها أسلافنا العثمانيون ضد الأرمن، لأنكم تستحقونها”.
وعلق خاتشيج موراديان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا في جامعة كولومبيا: “إن محاولة الحكومة التركية تصدير سياسات القمع وإسكات حرية التعبير وحرية الرأي إلى دول أخرى ليست جديدة”.
وأضاف “مرادان” في تصريحاته لموقع “المونيتور”: “الجديد هو ذلك الحماس الرسمي الذي لاحظناه في لبنان في الأشهر الأخيرة، في وقت يواجه فيه اللبنانيون أزمة اقتصادية وسياسية حادة ويكافحون الوباء”.
وقبل قرن، طبقت الدولة العثمانية سياسة الإقصاء والإبادة الجماعية ضد مواطنيها الأرمن. وتحاول حكومة أردوغان اليوم وصف الأرمن بأنهم “الآخر” في لبنان مشككةً في قوة انتمائهم للتراب اللبناني، الذي احتضن الأرمن وخفف بعض الشيء من بشاعة المذابح العثمانية وحكم العثمانيون لبنان من القرن السادس عشر حتى انهيار إمبراطوريتهم الزائلة عام 1918.
ويبدو أن أردوغان، لا يخجل من ارتداء عباءة السلطان والعمامة العثمانية المميزة حيث تتردد آمال الخليفة بين العرب السنة في لبنان أيضًا.
عندما اندلعت احتجاجات الشوارع في العام الماضي، شوهد بعض المتظاهرين وهم يلوحون بالعلم التركي وهم يهتفون “بالروح بالدم، نفديك يا أردوغان”.
ليس سراً أن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تجند عددًا كبيرًا من المتصيدين والروبوتات المرتبطة بحزب العدالة والتنمية الحاكم على وسائل التواصل الاجتماعي لاستهداف منتقدي أردوغان بما في ذلك سياسيين وصحفيين ومشاهير في تركيا والخارج.
وكشف موقع “نورديك مونيتور” عن حساب مجهول على موقع “تويتر” تديره الحكومة التركية كأداة للدبلوماسية العامة ليس فقط لتضخيم رواية السياسة الخارجية العدوانية في ليبيا وشرق المتوسط ولكن أيضًا لتشويه سمعة الدول والقادة ومنتقدي أردوغان، ما يبشر بفضائح دبلوماسية من المتوقع أن تستنزف الكثير من جهد أردوغان للتغطية عليها.
ومع ذلك، لا يتردد السفراء والسفارات وكبار المسؤولين الأتراك في تأييد الحساب الذي ينشر المعلومات المضللة والدعاية السوداء.
ويجيد أردوغان، وحلفاؤه القوميون اليمينيون المتطرفون استغلال الانقسامات لتعزيز قاعدتهم، ولوحظ نشاط كبير ضد “نيشان” عبر شبكة “الجزيرة” القطرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من بينها فيديوجراف استعرض التغريدات المهاجمة للإعلامي اللبناني، ولكن نسيت الجزيرة في عرضها أن تشير إلى دور البوت واللجان الإلكترونية في الحشد ضد أي شخصية تتصدى لممارسات المحور التركي القطري، ورد محبو “نيشان” بهاشتاج أكد وجهة نظرهم التي تؤكد أن #محاكمة_نيشان_باطلة.
في تركيا، تم التحقيق مع أكثر من 100000 شخص وواجه ما لا يقل عن 30000 آخرين أحكامًا قضائية بتهمة “إهانة الرئيس” منذ وصول أردوغان إلى الرئاسة في عام 2014، ويعاقب على الجريمة بالسجن أربع سنوات على الأقل بموجب المادة 299 من قانون العقوبات التركي.
نجوم الكوميديا ضمن ضحايا السلطان
وكان الممثلان الكوميديان التركيان المخضرمان “مجيدت جيزن” و”ميتين أكبينار” من بين أكثر المستهدفين مؤخرًا بسبب بث محتوى يرفض سلوك أردوغان الاستبدادي، وعبر “تويتر” غرّد جيزن قائلاً: “حصلنا على ما يكفي من تصرفات الشمبانزي.. فلنبحث عن بلد يمكن الانتقال إليها والعيش في سلام ولنترك وراءنا هنا في تركيا أردوغان والأمة لشأنهم”.
وسعى الادعاء العام إلى اقتيادهما إلى السجن لمدة تصل إلى أربع سنوات وثمانية أشهر، ولم تشفع لهما مسيرتهما الفنية التي أمتعت أجيالاً من الأتراك.