إسلام وهبان
يعد مسلسل “سوق الحرير” أحد أبرز الأعمال السورية، التي عرضت خلال الموسم الرمضاني الماضي، عبر مجموعة قنوات “Mbc”، وتطبيق “شاهد”، وهو من إخراج الأخوين بسام ومؤمن الملا، وسيناريو وحوار حنان المهرجي، وبطولة عدد كبير من نجوم الدراما السورية والعربية من بينهم بسام كوسا، سلوم حداد، أسعد فضة، عبد الهادي الصباغ، كاريس بشار، فادي صبيح، نادين تحسين بك، فضلا عن مشاركة مصرية لنهال عنبر وعبد الرحيم حسن.
تدور أحداث المسلسل بسوريا في منتصف القرن الماضي، وتحكي في خطين متوازيين عن أخوين، يغيب أحدهما في ظروف غامضة بعد فقدانه للذاكرة، بينما الثاني متزوج من 4 نساء، وتمر أسرته بظروف عصيبة عندما تلد اثنين من زوجاته طفلين في اللحظة نفسها، بينما تموت إحداهن خلال الولادة، ما يجعل أمه تقوم بوضع الرضيعين في حجرة الزوجة التي ظلت على قيد الحياة لتقنع الجميع بأنهما طفليها كي لا يتعرض أحدهما للتفرقة، لكن الأيام تكشف ما لم يكن متوقع للجميع.
يرصد المسلسل مظاهر الحياة الاجتماعية خلال الفترة الذهبية بسوريا منتصف القرن الماضي، والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها هذه الفترة، بعد الانتفاضة السورية ضد الاحتلال الفرنسي، والحصول على الاستقلال، وتأثير ذلك على الحياة الثقافية والفنية والانفتاح الفكري في العديد من مناحي الحياة وتعزيز دور المرأة في المجتمع، كذلك رصد تفاصيل الحارة الدمشقية في ملحمة درامية رائعة، تمزج بين الاجتماعي والتاريخي والإنساني.
بعد سنوات من تقديم المخرج بسام الملا للمسلسل السوري الشهير “باب الحارة”، والذي تناول البيئة الشامية في العشرينات من القرن الماضي، يعود مرة أخرى برفقة أخيه مؤمن الملا، للبيئة الشامية ولكن بشكل أكثر بريقا وحيوية وقربا للواقع السوري لهذه الفترة، فبالرغم من أن “سوق الحرير” يتناول الحارة الدمشقية وتفاصيلها مثلما حدث في “باب الحارة”، إلا أنه رد الاعتبار إلى البيئة الشامية التي لم يتم التعبير عنها بشكل دقيق في باب الحارة، والتي أظهرت الحارة الدمشقية بصورة أقل تحضرا لا تتناسب مع الفترة الزمنية التي تناولتها. كما أن “سوق الحرير” قدم انعكاسا للتطور الكبير في الحياة السورية فنيا وثقافيا، وإبراز صورة سوريا الحرة، كما أن الأجزاء المقبلة التي تم الإعلان عنها ستعرض الكثير من التغيرات التي شهدتها البيئة الشامية.
تعد قضية “تعدد الزوجات” من الموضوعات التي تفتح شهية صناع الدراما، لما تحتويه من تفاصيل بين الزوجات ومشاكسات، وما تبعثه في روح المشاهد من حالة ترقب لما سيقوم به أبطال العمل، كما أنها من القضايا الاجتماعية المثيرة والملحة في المجتمعات العربية، لذا نجد هناك تناول مكثف في الأعمال الدرامية العربية لتعدد الزوجات.
وأعتقد أن تناول “سوق الحرير” لهذه القضية كان سببا في انتشاره وارتفاع نسبة مشاهدته عربيا، لينضم إلى أسلافه من الأعمال الدرامية البارزة التي تناقش قضية التعدد، وقد ذكرني “سوق الحرير” بالمسلسل المصري “عائلة الحاج متولي”، للفنان نور الشريف، والاشتراك في إظهار كيد الضرائر، وبعض العادات الثابتة في المجتمعات العربية، فضلا عن تناول فكرة تجارة الأقمشة أيضا وتعامل التجار مع النساء.
حاول المسلسل أن يؤكد على التغيرات التي طرأت على المجتمع الدمشقي، والانفتاح الفكري ومشاركة المرأة في مجالات شتى، واختلاف النظرة إليها، بعد جلاء الاحتلال الفرنسي، كما يظهر في طريقة اللبس والأزياء، وكذلك خروج النساء لمشاهدة الأفلام بدور العرض السينمائية، كما أن مشاركة نجوم عرب من دول مختلفة أمثال نهال عنبر وعبد الرحيم حسن وماجد الشرقاوي من مصر، ودارين حداد من تونس، أكدت على صورة الانفتاح الاجتماعي التي شهدتها سوريا بهذه الفترة.
أثارت النهاية المفتوحة للجزء الأول من “سوق الحرير”، جدلا بين متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد رأى البعض أن تيمة النهايات المفتوحة أصبحت ملازمة لأعمال بسام الملا، مثلما حدث في “باب الحارة”، وأن هذا يشكل نوعا من إطالة الأحداث، بما يتنافى مع مقتضيات العصر ورغبة المشاهد في الإيجاز، فيما رأى فريق آخر أن النهاية المفتوحة ضرورة للتشويق للأجزاء المقبلة، التي ستتناول الكثير من الأحداث والتفاصيل، والتغيرات الاجتماعية في الشام.
في النهاية فإن مسلسل “سوق الحرير” نقطة تحول هامة في الدراما السورية، وتطورا كبيرا في صورة البيئة الشامية في الدراما التلفزيونية، كما أن تعدد الأحداث والشخوص داخل العمل قد يجعله أحد الأعمال الملحمية الهامة في الدراما العربية إذا استغل صناع العمل بشكل جيد في الأجزاء المقبلة.