فشل النظام التركي في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي أجاب على حيرة تركيا التاريخية بين الشرق والغرب، الغرب رفضها فلماذا لا نعود إلى الشرق، ووضع أحمد داوود أغلو خطة العودة إلى الشرق ويطبقها أردوغان باستعادة الإمبراطورية العثمانية القديمة معتمدا على تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في الدول العربية والذين يعملون كطابور خامس للمشروع العثماني في كل الدول العربية، لم يخفِ أردوغان حقيقتهم حينما وصفهم بالعناصر المحلية الداعمة أو بحديثه عن الأصول العثمانية لقادة حكومة الوفاق الليبية أو الدعم الذي حصل عليه من تونس تحت حكم الغنوشي.
يتحدث أردوغان عن خلافة راشدة كانت تحكم العالم العربي أو الإسلامي وتحميه ومن أجلها أنتجت شركات الإنتاج الدرامي التابعة للمخابرات التركية الأعمال الدرامية التي تبشر بتلك الخلافة بداية من حريم السلطان وصولا إلى قيامة أرطغرل.. فهل كانت تقوم بتلك المهمة حقا؟!
في كتاب ابن إياس “بدائع الزهور في وقائع الدهور” الكثير من المشاهد عن القتل والترويع الذي قام به الجيش العثماني في القاهرة، مشاهد تدفع إلى الشعور بالألم، خاصة عند مقارنتها بدخول جيش آخر غير مسلم مثل جيش نابليون ويحكي ابن إياس أن جيش السلطان العثماني عند رحيله أخذ معه المئات من أمهر الحرفيين في مختلف الحرف: “ومسك رجال الدرك الناس على أبواب القاهرة من رئيس ووضيع ووضعوهم في الحبال”.
ويقول في مكان آخر مفصلا في مهن هؤلاء الناس: “وأرباب الصنائع من كل فن. من السيوفية والسباكين والحدادين.. والنجارين والمرخمين والمبلطين والخراطين والمهندسين.. إلخ” ثم يعلق وبطلت من القاهرة نحو خمسين صنعة وحمل سليم معه، بطريق البر، على ألف جمل أحمالا من الذهب والفضة والتحف والسلاح والصيني والنحاس المكفت والرخام الفاخر، ومن كل شيء أحسنه، وكذلك غنم وزراؤه من الأموال الجزيلة، وكذلك عساكره فإنهم غنموا من النهب ما لا يحصى.
وحتى رخام القلعة البديع لم ينجو من النهب: “ونزل رخام القلعة ووضع في صناديق وحمل إلى المراكب، وهو الرخام الذي أمر ابن عثمان بفكه”.
هل كان سليم الأول يفتح مصر ويضمها إلى الخلافة العثمانية، أم ينهب ما حافظ عليه المماليك من مظاهر الحضارة.
بالمناسبة العالم لم يكن يعترف بوجود الخلافة العثمانية ذلك ما أكده المؤرخ جورج طرابيشي في كتابه “هرطقات” يقول: (إن سلاطين بني عثمان لم يحملوا قط لقب خليفة، وكان فقهاء مصر والشام يراسلونهم باسم ”سلاطين الروم”.
وأول إشارة في وثيقة رسمية إلى “خلافة” العثمانيين وردت في اتفاقية “كوشوك كايناركا” التي كرست في عام 1774 انتصار جيوش كاترين الثانية، قياصرة روسيا، على الأتراك. فقد ميزت المعاهدة بين السلطة ”الزمنية” والسلطة “الروحية” للسلطان العثماني، وأقرت له بصفته ”الروحية” بحق الرعاية على تتار القرم المسلمين.
أما أول من لقب نفسه رسميا باسم خليفة المسلمين بين سلاطين بني عثمان، وفق قراءة طرابيشي، فكان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، والذي كلف دبلوماسيا أرمنيًا الأصل من رعايا السلطنة يدعى أغناطيوس مراد جحا بصياغة رواية تؤكد أن كل سلاطين بني عثمان بدءا من سليم الأول حملوا لقب “خليفة” وترويجها في العالم الإسلامي عبر شراء ذمم بعض الفقهاء والصحفيين ومشايخ الطرق.
عملاء المخابرات التركية مثل معتز مطر ومحمد ناصر وصابر مشهور قالوا إن الخلافة العثمانية كانت تحمى بلاد المسلمين من الاحتلال الأجنبي يرد على هذا الهراء الدكتور فوزي منصور في كتابه “خروج العرب من التاريخ” أن السياسات العثمانية عزلت العرب عن الانخراط في الاقتصاد العالمي مضيفا و”على هذا النحو يتضح زيف القول الشائع في بعض الدوائر، إن الإمبراطورية العثمانية حمت البلدان العربية، شقيقتها في الإسلام، من انقضاض الإمبريالية الأوروبية عليها”. فهي لم تحم أيا من هذه البلدان من أي غزو عقدت دولة أوروبية العزم عليه.
بل هيأت الإمبراطورية العثمانية ظروفا أكثر مواتاة لهجوم أشد غدرا، هو هجوم الاستعمار الاقتصادي الذي جرى تحت الحماية والامتيازات التي كانت تُمنح في ظل سيادة عثمانية اسمية وأخيرا، عندما كان بلد مثل مصر يحاول الانفصال وإقامة اقتصاده الحديث المستقل، كانت الإمبراطورية العثمانية تشترك بنشاط في اتحاد من الدول الأوروبية هدفه إعادة مصر إلى حظيرة التبعية الاقتصادية والتخلف.
مصر كانت وستظل شوكة في حلق مشروع المرتزقة الأتراك في الهيمنة والسرقة والنهب في بلاد العرب حصل ذلك قديما مع محمد على ويتكرر مع تفويض القبائل الليبية للرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل ووقف الاحتلال التركي لليبيا.