يعكف الباحث الأمريكي د. أندرو سايمون، الأستاذ بكلية “دارتموث”، على ترجمة كتاب “الكروان الممنوع: قصة القارئ الشيخ عنتر مسلم”، للكاتب الصحفي طايع الديب، وهو الكتاب الصادر مؤخرا عن الوكالة العربية للصحافة “ناشرون” بالقاهرة. وذلك بالتنسيق مع المؤلف.
ذكر المؤلف أنه عندما أعلن عن قرب نشر الكتاب منذ نحو شهرين، تواصل معه الباحث “سايمون” عبر الإنترنت، وقال له إنه عاش في منطقة “هليوبوليس” بالقاهرة نحو خمسة أعوام، وأنه يعرف العامية المصرية واللغة العربية “مكّسر”، وهو يعمل حاليا في بحث يتناول من خلاله تاريخ مصر الثقافي خلال الخمسين سنة الأخيرة، يتضمن البحث جزءا خاصا عن القارئ الشيخ عنتر مسلم، وآخر عن المطرب الشعبي أحمد عدوية، باعتبارهما كانا ضمن أبرز نجوم عصر “شرائط الكاسيت”، الممتد من أوائل سبعينيات القرن الماضي وحتى نهاية التسعينيات.
يضيف المؤلف أن الباحث لم يجد مادة بحثية جادة على الإنترنت عن الشيخ عنتر مسلم، سوى مقال واحد لـ”الديب” كان منشورا على موقع إحدى الصحف الخاصة، وأنه أمده ببعض المعلومات الواردة في هذا الكتاب أثناء كتابته، ثم أرسل نسخة إلكترونية من الكتاب بعد صدوره، فتحمس “سايمون” لترجمته إلى اللغة الإنجليزية، ليكون ضمن الكتب الموجودة في مكتبة الكلية.
يتناول الكتاب قصة “الشيخ عنتر” الذي حقق شهرة واسعة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لكنه تعرض للتضييق بسبب طريقته الجديدة في قراءة القرآن، حيث كان يقرأ بأكثر من 4 روايات في المجلس “الربع” الواحد، ما عرضّه لنقد قاسٍ من معاصريه، باعتبار أن طريقته لا تجوز القراءة بها.
يقول “الديب” إن “الكتاب يبحث قضية الشيخ عنتر الذي كان أشهر قارئ في مصر خلال الثمانينيات، ويكشف عن أبعاد هذه القضية على المستويات المختلفة، الدينية والاجتماعية والثقافية”.
يضيف المؤلف أنه “بعد نحو سنة من البحث والاستقصاء وراء ما تبقى من تراث الرجل، تبيّن أن الشيخ عنتر وقع بين “شقيّ رحى” لا يجتمعان على شيء، هما الأزهر والمتشددين، وأن الأمر – فوق ذلك- هو أكبر من مجرد سيرة قارئ، بل إن له أبعادا وجذورا سياسية وتاريخية، ضمن قضية كبرى “مسكوت عنها” منذ أيام الحكم العثماني، تلك الحقبة السوداء في تاريخ مصر”.
ويشير الديب إلى أنه “بعد أن خفتت الضجة التي أثارها بمرور السنين، تم تجاهله تماماً عند أي تأريخ لمسيرة التلاوة. ومع ذلك، بات للرجل صاحب الأسلوب “الوحدَجيّ” المتفرّد في القراءة، عشرات التلامذة والمقلّدين في عدة دول، منها مصر والعراق وإيران وإندونيسيا وماليزيا والمغرب. وبات هؤلاء يقرأون علناً بطريقته الممنوعة سابقا، وما يؤكد أن الشيخ كان صاحب مدرسة متفردة في فن التلاوة”.
ويوضح الكاتب أنه “تبيّن كذلك أن منع أشرطة مسلّم كان جزءاً من وقائع مؤسفة ومعارك غير شريفة، دارت بين مشاهير قرّاء ذلك الزمان سعياً وراء المال والشهرة، منها ما حكاه لي الشيخ الراحل محمد محمود الطبلاوي بنفسه، من أنه كاد يموت بفنجان قهوة “مسموم” في أحد سرادقات العزاء، لولا أن الله سلّم، واصطدم صبي البوفيه أثناء سيره بين المقاعد بالفنجان، فأسقطه”.
ومن المثير للدهشة، وفق الكاتب، أنه “بعد اختفاء مسلّم، ومنع أشرطته في مصر بناء على قرار صدر من الأزهر وقتها، عرفت تسجيلات الشيخ طريقها إلى كل قارات العالم، وباتت تُباع على أسوار “المسجد الأزرق” في مزار شريف، وتنطلق من محلات بيع الكاسيت في لاهور، وتُسمع في حضرات الطريقة الصوفية النقشبندّية بإسطنبول، حتى أصبحت تلك هي السابقة الأولى من نوعها: أن يشتهر قارئ مصري في بلاد لا تعرف اللغة العربية مثل أفغانستان وباكستان وتركيا، بينما هو شبه مجهول في مصر”!