رباب طلعت
الانتشار الواسع الذي حققته شبكة “نتفليكس” في الآونة الأخيرة في الوطن العربي، وسعيها لكسب المزيد من جمهور الشرق الأوسط، بإنتاجات أصلية جديدة، أو شراء محتوى ثري ومتنوع، وضعها تحت المجهر بشكل أكبر من الجمهور العربي، الذي وجه للشبكة العديد من الانتقادات، بسبب الأعمال الفنية المقدمة عليها، لمخالفة بعضه لأعراف وعادات وتقاليد المجتمعات العربية.
تلك الانتقادات تحولت مؤخرًا، لوقف البعض تجديد اشتراك المنصة الشهري، نظرًا لأن المحتوى غير لائق بالأسرة العربية، لعدة أسباب، يمكن رصد أبرزها فيما يلي، من خلال سرد أزمات “نتفليكس” المثارة مؤخرًا عبر السوشيال ميديا:
المثلية الجنسية.. ترويج مرفوض
لا خلاف على حقيقة رفض المجتمعات العربية لفكرة المثلية الجنسية، سواء للذكور أو الإناث، وذلك لتحريمها من كافة الديانات السماوية، وكونها لا تمثل قيم وأعراف المجتمع، وارتباطها بـ”قوم لوط”، وهو ما لم تضعه “نتفليكس” في حسبانها أثناء التوغل في المجتمعات العربية، مما عرضها لكثير من الانتقادات والاتهامات بأنها تروج للمثلية من خلال أعمالها، وتحاول نشره في الوطن العربي، خاصة أنها صارت تعتمد على تضمين مشاهد صريحة لمثليين من كلا الجنسين في أغلب أعمالها الأصلية، وإن لم تكن مشاهد صريحة فتلميحًا.
ترسم “نتفليكس” الشخصيات المثلية دائمًا على أنها مضطهدة ومكروهة في المجتمع الذي يحارب “قصة الحب” بين بطلين أو بطلتين، حيث يرفض الناس تلك العلاقة مما يضع بطليها دائمًا تحت ضغط نفسي وعصبي من الممكن أن يؤدي بهما إلى أمراض نفسية وانتحار أو جنون، كما تظهر الشخصيات بصورة ضعيفة ومشوشة ولا تستطيع تحديد هويتها الجنسية، وهو الأمر الذي يثير غضب المثليين أنفسهم، لرفضهم تصدير تلك الصورة عنهم.
تزايد التواجد الكمي لقصص ومشاهد المثلية الجنسية في أعمال “نتفليكس” أثار الكثير من الشكوك حول المنصة ليس فقط في الوطن العربي بل أيضًا في الخارج، حيث ترفض الكثير من الأسر مشاهدة أبنائها مثل تلك المشاهد، كي لا تؤثر على هويتهم الجنسية السليمة، وميولهم الفطرية، ووصلت ذروة الانتقادات لـ”نتفليكس” بعد عرضها لفيلم “The First Temptation of Christ”، والذي جسد السيد المسيح على أنه “مثلي”!
أزمة المثلية وضعت “نتفليكس” في مأزق مع الحكومة التركية مؤخرًا، حيث قررت المنصة وقف تصوير مسلسل ASK 101″”، بسبب رفض السلطات مشاهد المثلية فيه، وطالبت المنصة بحذفها، مما دفعها لإيقاف تصويره، وتلك الأزمة يجب أن تُحاذر المنصة من تكرارها في الوطن العربي، بإنتاجاتها الأصلية التي صارت تهتم بها مؤخرًا.
خوف أسري من المشاهد الجنسية
عبر موقع الأسئلة والمناقشات الشهير (quora) سأل أحد المستخدمين عن سبب زيادة مشاهد المثلية الجنسية في أعمال نتفليكس، فجاءت الكثير من التعليقات أن المنصة لا تصلح للمشاهدة العائلية، سواء كان ذلك بسبب مشاهد المثلية، أو المشاهد الجنسية بشكل عام، وهو ما اتفق عليه بعض المشتركين العرب، نظرًا لأن حتى العروض الخاصة بالأسرة، لا تصلح أبدًا للمشاهدة الأسرية.
تلك المشاهد دفعت بعض الآباء إلى اتخاذ قرار حاسم بإلغاء الاشتراك، وذلك خوفًا على أبنائهم من رؤية تلك المشاهد المتواجدة بكثرة في الأعمال الأصلية أو المعروضة على المنصة، على الرغم من تصدر عدة أعمال تحتوي على مثل تلك المشاهد بكثرة الترند في مصر خلال الآونة الأخيرة.
بالطبع مع اختلاف الخلفيات الثقافية للمشاهدين، فمشاهد الوطن العربي ليس أوروبي أو أمريكي، يتعامل مع تلك المشاهد على أنها أمر مقبول، وضمن السياق الدرامي، يجدر على “نتفليكس” تجنب التعرض لها تمامًا في إنتاجاتها العربية الأصلية، كي لا تتكرر أزمة مسلسل “جن” الأردني أول إنتاج عربي للمنصة والذي أثار غضب الأردنيين بسبب وجود مشاهد قبلات وأحضان، بين أبطال العمل الشباب، ودشن البعض حملة لمقاطعة المنصة، لأنها خرجت عن التقاليد الأردنية والعربية، واعتبر الجمهور الأردني تلك المشاهد -ليست جنسية- أنها “فاضحة”، ما يعني أنه من الممكن تقبل ما هو أكثر منها في الأعمال المقبلة.
أزمات الأعمال العربية الأصلية.. وفرصة ذهبية
أزمة مسلسل “جن” في الأردن، ليست الوحيدة التي تثيرها المنصة بإنتاجاتها الأصلية بين مشاهديها في الوطن العربي، فأحدث أزماتها كانت في المملكة العربية السعودية، حيث طالب السعوديون بمقاطعة المنصة بسبب فيلم “صانع القنابل”، حيث إنه يدين الطالب السعودي خالد الدوسري ويصفه بالإرهابي، على الرغم من الشكوك التي تدور حول الحكم عليه، مما دفع محاميه للاستئناف عليه.
مسلسل “the spy” أيضًا الذي تناول قصة العميل الإسرائيلي إيلي كوهين، أثار انتقادات واسعة بسبب المغالطات التاريخية فيه، وتمجيده في شخص هو بالنسبة للعرب عميل وخائن، وإظهار الرواية الإسرائيلية عنه، وتجسيده بصورة أقرب للملاك في صفاته، وهو ما حدث أيضًا مع فيلم “الملاك” الذي تناول الرواية الإسرائيلية عن أشرف مروان رجل الأعمال المصري وزوج ابنة جمال عبد الناصر ومدير مكتب أنور السادات، والذي أظهره العمل على أنه كان جاسوسًا لإسرائيل، وقد حماها وساعدها في الانتصار على مصر.
المسلسل السعودي “وساوس” أحدث الإنتاجات العربية لـ”نتفليكس” أيضًا كان مخيبًا لتوقعات الجمهور السعودي، حيث إنه لم يكن ناجحًا على القدر المطلوب لجذب جمهور جديد في المملكة، وهو ما يضع المنصة أمام اختبار صعب، بإنتاج أول مسلسل مأخوذ عن “ما وراء الطبيعة” للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، ويجسده أحد تلامذته الفنان أحمد أمين، وهو العمل المنتظر بشدة من قبل فئات كثيرة سواء من محبي الكاتب الراحل أو الفنان بطل العمل، وهو أيضًا أولى إنتاجاتها في مصر، ومن المتوقع أن ترفع توقعات المشاهدين عنه، لأنهم إلى الآن قد نجحوا في اختيار الشخصيات، سواء التمثيل أو الإخراج.