رباب طلعت
قبل شهرين تقريبًا، وليلة عيد الفطر المبارك، فوجىء جمهور “نتفليكس” بعرض مجموعة من المسرحيات المصرية الخالدة في وجدان المشاهد العربي مثل “شاهد مشافش حاجة” مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”، و”الزعيم” وغيرها من الأعمال التي لاقت نجاحًا واسعًا دام لما يقارب الخمسون عامًا منذ عرضها الأول على التلفزيون إلى الآن، وصولًا إلى أن تختارها واحدة من أهم منصات العرض الرقمي في العالم، لتقدمها لجمهورها ليس فقط من الوطن العربي ولكن لغير الناطقين بالعربية، حيث قدمتها بترجمة لعدة لغات.
اختيار “نتفليكس” لاقى وقتها احتفاء وسخرية في نفس الوقت، لتوافقه مع اختيارات القنوات المصرية وبعض القنوات العربية، حيث إن تلك الأعمال بعينها، ينتظرها المشاهدون كل عيد، وبالرغم من تكرار عرضها إلا أن الجمهور يشاهدها ويضحك عليها كأنها تعرض لأول مرة، أكثر من غيرها من أعمال سابقة ولاحقة، وقد استمر تأثير عرضها وترجمتها على “نتفليكس” إلى اليوم على السوشيال ميديا وفي الصحافة، حيث تناولت الظاهرة عدة صحف عربية، أشادت باختيار المنصة لها، وما زالت أعداد الـ”كوميكس” المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عليها في تزايد، ونحن على مشارف عيد الأضحى المبارك، ووجودها بشكل ثابت على المنصة.
الجمهور المصري، بل العربي، اختار مشاهدة تلك المسرحيات في العيد على “نتفليكس” وتصدر أكثرها “الترند” أسبوع العيد كاملًا، بالرغم من تزامن إضافتها مع إضافة أعمال جديدة أخرى على المنصة، في تأكيد على أنها أحسنت الاختيار، وفيما يلي نبحث عن إجابة لم نجحت تلك المسرحيات عن غيرها في جذب اهتمام “نتفليكس”.
هو فين المسرح الحديث؟
أحد أهم الأسباب التي منحت تلك المسرحيات بعينها نجاحًا دام لسنوات طويلة، هو تصويرها تلفزيونيًا وتقديمها إلى جمهور التلفزيون، والذي احتفى وتعلق بها لسنوات طويلة، وهي الفرصة التي ضاعت من أعمالٍ أخرى، خاصة في الوقت الراهن، وذلك بحسب تصريح خاص لـ”إعلام دوت كوم”، من المخرج محمد فاضل، الذي تولى مسؤولية الإخراج التلفزيوني لـ”الزعيم”، و”شاهد مشفش حاجة” المعروضين على نتفليكس.
فعن سبب اختفاء الاحتفاء بالمسرح حاليًا، وعدم نجاح التجارب الشبابية الحالية في الوصول إلى الجمهور قال المخرج محمد فاضل، إن مسرح مصر وأشباهه، هي عبارة عن عمل فني مسلي، ولكن لا ينطبق عليه قواعد المسرح، لافتًا إلى أن السبب وراء استمرار نجاح مسرحيات مثل “شاهد ماشفش حاجة”، و”العيال كبرت”، و”مدرسة المشاغبين” وغيرهم من ذلك الجيل، لا بد أن له أسباب معلقًا: “طالما نجحت يبقى الجمهور حبها وأنا بثق جدا في رؤية الجمهور”، موضحًا أن الجمهور رأى فيها نص وتمثيل وإخراج مسرحي وشخصيات مرسومة بصدق والأهم فهي تحمل رسالة تقدمها للجمهور.
وإجابة على سؤال “هل المسرح الحديث يفتقر لمثل تلك الرسالة” قال: “هو فين المسرح الحديث؟” مضيفًا أنه يعرض على مسارح وزارة الثقافة -الهناجر والمسرح القومي والحديث والجيب والغد- أعمالًا عظيمة وعرضت خارج مصر ولاقت نجاحًا كبيرًا، لكنها لا تصل للجمهور، ويُسأل عن ذلك القنوات، فخلال السنوات الأخيرة لا يهتم الإعلام بالأعمال الثقافية والمسرحيات تحديدًا.
أكد “فاضل” أن المسرح المصري كان له تأثيره سابقًا أكثر من الآن، وذلك بسبب انشغال المواطن بشكل أكبر في الحياة، وعدم قدرته مثل السابق الذهاب إلى المسرح، فيتجه لمشاهدة الدراما في المنزل كخيار أفضل له من الخروج، هذا بالإضافة إلى أنه بالرغم من القنوات الكثيرة المتاحة للمشاهد إلا أنه لا يوجد مواعيد ثابتة عليها للعروض المسرحية خلال العشر سنوات الماضية، فلا بد من وجود موعد أسبوعي لها، ما عدا قناة أو اثنتين على الأكثر.
وعن سبب عدم مجاراة مسرحيات أحدث من التي نجحت نجاحًا كبيرًا أيضًا وقتها، لنجاح المسرحيات السابق ذكرها، قال إن ذلك لأسباب عدة منها أن هناك نص وتمثيل وموسيقى ومسرحية مقنعة للجمهور وكاملة الأركان، تجعل المشاهد يفضل مشاهدتها أكثر من مرة ولا يمل أبدًا منها، فأمامه نص متكامل وليس مجرد “اسكتشات” كوميدية يلقيها الممثلون على الجمهور.
كما قال إن عرض مثل تلك المسرحيات على منصة عالمية مثل “نتفليكس” يرجع لأهمية الثقافة في ربط الشعوب ببعض، فنحن نشاهد الأعمال المترجمة للغة العربية، والتي بالطبع تفقد روحها بسبب الترجمة، ولكنها تعكس ثقافات مختلفة نستفيد منها، مؤكدًا أن المشاهد الأجنبي يشاهد المسرحيات كعمل فني، ولا يشاهده للتعرف على ثقافة وصورة المجتمع المصري، فإذا أراد زيادة ثقافته عن مصر لديه الكتب والمقالات المكتوبة عنها هي أوقع، بالتالي ليس شرطًا أن تختار المنصة مسرحيات تتوافق مع شكل المجتمع المصري حاليًا، بل هي اختارت عملًا فنيًا جيدًا.
وعن ذكرياته مع الإخراج التلفزيوني لـ”شاهد ماشفش حاجة”، قال إنه صورها عام 1977 ميلاديًا، ووقت التصوير التلفزيوني المسرحي، لا بد من عمل بروفات وترتيبات وتجارب كثيرة، لأنه ليس مباراة كرة قدم، فمثلًا مسرحية “الزعيم” المتواجدة أيضًا على “نتفليكس” قد قام بتصوير الاستعراضات والأغاني في يوم منفصل، معلقًا على ذلك أن جمهور المنزل ليس جمهور المسرح، ويجب عليّ كمخرج تلفزيوني أن أوصل لجمهور التلفزيون ما يريد المخرج المسرحي إيصاله لهم، فعلى المسرح يقوم المخرج بتوجيه الفنان بالتقدم خطوة عندما يلقي جملة معينة، وعندما أصورها أنا تؤخذ بصورة مقربة، لأوصل نفس الرسالة التي يريدها.
ارتباط الوجدان العربي بها ودراسة السوق
عن سبب اختيار “نتفليكس” لتلك المسرحيات تحديدًا، قال الناقد الفني طارق الشناوي، إن الشبكة درست المجتمع المصري جيدًا ووجدان المشاهد المصري، وعلمت أن تلك المسرحيات تحديدًا مهما أعيد عرضها “تكسر الدنيا” مثل أول مرة عرضت فيها، وهو نفس السبب في تكرار عرضها على القنوات التلفزيونية أيضًا كل عيد، فالجمهور “بيضحك كل سنة على نفس الإفيه”، ولا يمل منها فنحن نشاهد لقرابة الخمسين عامًا “مدرسة المشاغبين” ونضحك مثل المرة الأولى، فالوجدان المصري يذهب لمثل تلك الأعمال، معلقًا: “فهموا الوجدان المصري وقدموا البضاعة اللي بيحبها الجمهور”.
وعن إقبال المشاهدين العرب، وليس المصريين فقط على مشاهدة تلك المسرحيات قال إن “الضحكات المصرية ضحكات عربية” والدليل على ذلك نقول “فيلم عربي”، أو “الغناء العربي”، أو “سيدة الغناء العربي”، وليس المصري، فما يضحك المصريين يضحك العرب، وعلق على استمرار نجاح تلك المسرحيات عن غيرها بالرغم من نجاحهم أيضًا في وقت عرضهم قائلًا: “هناك ضحك عابر للأجيال، وضحك يأخذ وقته ويقل مع الزمن”، مضيفًا أن أي شركة مثل “نتفليكس” تدرس جيدًا ما يريده المشاهد قبل تقديمه عليها، وتعرف الفرق بينهما جيدًا وبالتالي وقع اختيارها على تلك الأعمال تحديدًا.
الأداء التمثيلي وفن ارتجال “الإفيه”
أما الفنان هادي الجيار، فعلق على النجاح الكبير لمسرحية “مدرسة المشاغبين” إحدى المسرحيات المعروضة على “نتفليكس” واستمراره لكل تلك السنوات قائلًا: “كل ما بتقعد كل ما بتزيد نجاحًا وده شيء عجيب”، مضيفًا أن الانتقادات التي تعرضت لها المسرحية كان معروف مصدرها، فلم تكن من الجمهور نفسه، ذاكرًا أحد المواقف التي تعرض لها أبطال العمل قائلًا: “كنت أنا ويونس وأحمد زكي رحمة الله عليهم ساكنين في دور أرضي، وكان للبيت بلكونة، كنا بنقوم الصبح نلاقي جوابات شتيمة فينا بسببها”.
أضاف “الجيار” أنه بالرغم من أنه أحد أبطال “مدرسة المشاغبين” إلا أنه كل مرة يشاهدها فيها لا يكف عن الضحك من قلبه، وذلك ليس لأنهم يلقون “نكاتًا” على الجمهور أبدًا، بل لأدائهم التمثيلي، وردود أفعالهم على المواقف التي يوضعون فيها، لافتًا “كل واحد في الفنانين ليه طعم ولون وشكل وكل حاجة”، مؤكدًا: “أنا بعتبرها هي والعيال كبرت وسك على بناتك وريا وسكينة ومسرحيات تانية اتعملت بإتقان شديد جدًا فبقت مرتبطة بالناس جدًا”.
وعن ارتباط تلك المسرحيات بالمناسبات والأجازات، تذكر أحد المواقف التي تعرض لها أثناء تصويره أحد المسلسلات في عمان بالأردن، وحينها تعرضت المدينة لموجة ثلج اضطرت الحكومة لإغلاق المدارس والأماكن الحكومية، فشغل القناة الأردنية وجد “مدرسة المشاغبين” و”العيال كبرت”، معلقًا: وعندما أشاهد نفسي أضحك وأسأل “كنا بنعمل كده إزاي؟”.
أضاف “الجيار”: “احنا كنا طعم جديد على المسرح الكوميدي والخاص كمان” موضحًا أن أغلب المسارح كانت تعتمد على “النجم والنجمة” وكان هناك شكل متعارف عليه إما في منزل أو فيلا، ويرن جرس الهاتف، ويظهر الخادم بجملة “أيوة جاي”، لكن ظهرنا نحن في مدرسة، ومجموعة من الشباب، بجانب عمالة تمثيل وكوميديا سواء إخراج أو تأليف أو تمثيل، مؤكدًا أن أكثر ما يضعف المسرح الحالي هو الكتابة، فأصبحت كلها “مجموعة من الاسكتشات” يلقيها الفنانين على الجمهور “وهو وشطارته” فإما يضحك الجمهور أو لا، مضيفًا: “تشوف المسرحية متحسش أن في كاتب قعد فكر وكتب” وذلك عكس ما فعله الكاتب الكبير علي سالم في “مدرسة المشاغبين” على سبيل المثال، فقد أخذ وقتًا كبيرًا في كتابتها، وحضر أبطالها المسرحية لها ببروفات كبيرة، بالإضافة إلى أنها كانت إخراج جلال الشرقاوي، والذي بذل مجهودًا كبيرًا فيها.
وعن كواليس “الإفيهات” الأشهر في المسرحية، أكد الفنان هادي الجيار، أنهم كانوا يرتجلون في كثير من الأحيان، لأنه إذا ما قالوا نفس الجمل يوميًا بنفس الشكل سيصابون بالملل، مؤكدًا أن “الارتجال” وإلقاء “الإفيه” موهبة عظيمة لا يتميز بها كل الفنانين، أضاف أنه على سبيل المثال “إفيه” الفنانة الكبيرة سهير البابلي “هقطع لسانك من لغاليغه” كان ارتجالًا ووليدة اللحظة، وهو كلمة “دارجة” وقتها، واصطادها الفنان عادل إمام وتابع هو الارتجال، فظهر واحدًا من أكثر المشاهد ضحكًا في المسرحية.