محمد إسماعيل الحلواني
كيف يبدو المسيح – عليه السلام – إذا وقف ذات يوم أمام الكاميرا؟ ولو عاش نابليون بونابرت في زماننا، كيف ستبدو صورته المنشورة في صحيفة أو مجلة أو على محرك البحث جوجل؟ هل يمكن الحصول على صورة مثل الصور الفوتوغرافية المعتادة لـ ويليام شكسبير؟
استخدم الفنان الهولندي باس أوتيرفيك أدوات الرسم الرقمي وتقنية الذكاء الاصطناعي لإنشاء صورة واقعية نابضة بالحياة للمسيح. وعبر حسابه في تويتر، غرّد “أوتيرفيك” قائلا: “توصلت إلى ثلاث تصورات عن الشكل الواقعي للمسيح، فأيهم أقرب شبهًا لما في خيالكم؟”، وحملت التصورات الثلاثة ملامح شرق أوسطية، معيدًا إلى الأذهان تصريحات راعي الكنيسة الإنجليزية أسقف كانتربيري، جاستن بورتل ويلبي، عبر تويتر قبل شهر بأن “ابن مريم العذراء يسوع المسيح الذي ولد في بيت لحم في فلسطين لم يكن أبيض البشرة”.
إلا أن طول الشعر من أبرز العناصر التي ميزت تصورات “باس أوتيرفيك” بعضها عن بعض. وتباينت الآراء فالبعض اعتبر المسيح أشبه للصورة الثانية والبعض رجح الصورة الثالثة. وعندما طلب أحد المغردين تلخيصًا للطريقة الإبداعية التي اختارها “أوتيرفيك” رد عليه “أوتيرفيك” برابط على موقع napoleon.org يلخص طريقته التي تسمى “التصوير بواسطة الشبكة المحايدة”.
استعان “أوتيرفيك” بأدوات “التعلم العميق” لإنشاء هذه الصور لشخصياتٍ لم يعرف العالم شكلهم من قبل إلا عن طريق التماثيل أو الرسم الزيتي، فجميعهم عاشوا قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي.
ولعبت الصور الزيتية دورًا كبيرًا فاستعان بها في إنتاج صورة نابضة بالحياة لسيدة الموناليزا والملكة إليزابيث الأولى رائدة عصر النهضة في إنجلترا، ونشر على حسابه بتويتر صورة لـ”فنسنت فان جوخ” وأوضح باس أوتيرفيك، المقيم في أمستردام، أنه يريد أن يرى ما إذا كان بإمكانه إنشاء صور رقمية واقعية لوجوه بارزة في التاريخ.
يعد البرنامج أداة قائمة على الويب تتيح تحميل وتحرير الصور لإنشاء إصدارات مستندة إلى المدخلات والبيانات. وتنشئ وحدة صور Artbreeder الصور الرقمية باستخدام تقنية StyleGAN-2. تم ضبط النموذج بدقة على الصور الفوتوغرافية واللوحات والرسومات لإنتاج الصور البشرية ومحاكاة سلوك الضوء في التصوير الفوتوغرافي العادي.
ويجمع برنامج Artbreeder متوسط ملامح الوجه المميزة، وفي حواره مع مجلة The Batch قال “باس أوتيرفيك” إنه يعالج المدخلات مسبقًا باستخدام فوتوشوب لتضخيم ملامح أو إلغاء التركيز على ملامح معينة قبل أن يحمّلها على الشبكة، ثم يضبط لون بشرة والمخرجات وشكل العينين وعُمر الشخصية.
على عكس جهوده لتصوير المناضلة الفرنسية “جين دارك” أو آخر ملكات البطالمة “كليوباترا”، اللتيْن استوحى “أوتيرفيك” ملامحهما بالكامل من لوحات فنانين سابقين، كانت صورة نابليون نموذجًا للعمل “من الصفر”، فاضطر لدمج مدخلات البيانات من عدد كبير من الصور التاريخية والرسومات والمنحوتات. وقال إن المجهود الكبير جعل الصورة أصيلة بشكل مذهل. بدأت خطة العمل لصورة نابليون بنقل الملامح الأساسية من صورة أصلية رسمها الفنان الأمريكي “بيلي ذا كيد”.
برنامج Artbreeder هو واحد من العديد من الأدوات الإبداعية التي تستفيد من القدرة الخارقة لشبكات GAN على تكرار التفاصيل المرئية ومعالجتها. وهناك تطبيقات تجارية مثل Prisma وVisionist بإمكانها تقديم صور من وسائل التواصل الاجتماعي بأساليب مثل الانطباعية والنقطية والفسيفساء. وبدأت شركة Deep Dream، إطلاق أداة ويب وتقنية تصوير لمساعدة المهندسين على فهم كيفية إدراك نماذج رؤية العقل الإلكتروني للصور.
يساعد الخط الفني الذي اختاره “باس أوتيرفيك” بالاستناد إلى الذكاء الاصطناعي على إضفاء الطابع الإنساني المفعم بالحياة على الشخصيات التاريخية بل والشخصيات الخيالية أيضًا. يمكن لهذا المنهج المبتكر أن يساعد صانعي الأفلام والمتاحف ومطوري ألعاب الفيديو على إعادة الحياة إلى التاريخ.
أوضح “باس أوتيرفيك” أن التحدي الحقيقي يكمن في شبه الشخص، وكذلك إعطاء نماذجه تعبيرات مثيرة للاهتمام. وأوضح: “يميل البرنامج إلى القيم والأرقام المتوسطة بسبب طبيعته، لذلك في هذه اللحظة الأخيرة، أحتاج أحيانًا إلى بعض الحيل والأساليب الإضافية للحصول على ما أريده”. أي أن الفنان عليه أن يظل ملتزمًا ووفياً لشبه الشخص ولكن مع إضفاء الواقعية على الصورة قدر الإمكان. وأوضح باس في حواره مع مجلة Femail أن البرنامج يستخدم نقاط بيانات – لخصائص الوجه الشائعة والصفات التصويرية – من أجل عمل صورة مقنعة. وأضاف: “أحاول توجيه البرنامج إلى نتيجة موثوقة. وأفكر في عملي على أنه اجتهادات فنية أكثر من التفكير في الدقة العلمية أو التاريخية.
وقال الفنان، الذي أكمل حتى الآن ما بين 50 و60 من الصور بهذه التقنية: “أعمل على العديد من الصور في نفس الوقت، وأتركها أحيانًا لأسابيع لأعود إليها من جديد بأفكار أخرى لاحقًا عندما يكون لدي إلهام جديد أو في حالة إذا عثرت على مواد إضافية من المراجع التاريخية”.
تمكن البرنامج من إنشاء الصورة شبه الفوتوغرافية لأول رئيس للولايات المتحدة؛ جورج واشنطن، من خلال توليد البيانات المستقاة من آلاف الصور الزيتية.
جمع “باس أوتيرفيك” البيانات الخاصة بصورة المرأة التي يجسدها تمثال الحرية من التمثال نفسه واستند في إبداعه لصورة مايكل أنجلو إلى تمثال “ديفيد” الشهير ضمن مقتنيات أكاديمية فلورنسا جاليريا ديل الإيطالية. وأنشأ صورة شبه فوتوغرافية واقعية للإمبراطور الروماني كاراكالا، بعد أن اعتمد البرنامج على صورة أساسية مستقاة من تمثال الإمبراطور. وذكر ” أوتيرفيك” إنه استخدم حيلًا إضافية لتقريب الشبه للملامح التي يعتقدها واقعيةً بالكامل.
أنشأ “أوتيرفيك” أيضًا صورًا واقعية لشخصيات خيالية مثل “فرانكنشتاين” وشخصية “ديفيد” وهو تمثال شهير للنحات “مايكل أنجلو” وشخصية “جندي المارينز” الماخوذة من لعبة الفيديو Doom.