فاتن الوكيل
لم تعد إعلانات الجمعيات والمستشفيات الخيرية، أمرًا مستحدثًا على المشاهد، الذي تعود عليها، لدرجة أنه أصبح يقارن أي الإعلانات أفضل من غيرها، كما أصبحت الجهات التي ترغب في جمع التبرعات، تعرف أهمية الإعلان التلفزيوني، وهو ما اضطرها إلى تطوير شكل الدعاية، من وقت لآخر.
ونذكر أن هذه الإعلانات في بدايات انتشارها، كانت بمثابة “حدث”، ويمكن وقتها حصرها في عدد محدود من الإعلانات، أبرزها مستشفى سرطان الأطفال 57357، أما الآن فالمشاهد في حالة تشبع، ونتيجة لذلك تحاول كل جهة أن تجتهد أكثر، لتقدم أفكارًا مختلفة، أو تدفع بشخصية معروفة، ومحبوبة، وغير مثيرة للجدل، حتى تكون نقطة الصلة بين المشاهد، والجهة المراد التبرع لها.
إعلام.أورج يستعرض هذه النوعية من الإعلانات، التي عُرضت خلال شهر رمضان الحالي لعام 2015.
1- مؤسسة مجدي يعقوب للقلب
إعلان مستشفى الدكتور مجدي يعقوب للقلب، الذي استعان بصوت الفنانة عفاف راضي، وُفق تمامًا في الاختيار، حيث اللهجة الهادئة البعيدة تمامًا عن الإلحاح، وما يعتبره البعض “الشحاتة” على المرضى، وإذا كانت الثقة في المؤسسة بالطبع عاملًا هامًا، فإن التسويق الجيد أيضًا يصنع فرقًا، فصوت عفاف راضي “الحنين” والصافي وهي تقول “حلوة ابتسامته لو مقالش آه” يعمق هذا الإحساس.
ولمزيد من التنوع، بعد الإعلان المعتمد على الأغنية كعنصر رئيسي، فضلت مؤسسة مجدي يعقوب أن تطرح إعلانًا يعتمد على “الخطاب” بينها وبين الجمهور، ونجد أن الخطوة موفقة في اختيار الفنانة نيللي كريم، لتقوم بهذا الدور، فهي خلال السنوات القليلة الماضية، استطاعت أن تحصل على ثقة المشاهد “فنيًا”، يجعلها جديرة بهذا الدور الخيري.
2- 57357
مستشفى 57357، لعلاج سرطان الأطفال، تعتمد على أسلوب “الإغراق”، حتى انك تشعر من كثرة الإعلانات بأنها لا تطلب تبرعًا، ولكنها مؤسسة كبيرة تُعلن عن نفسها، حيث لا تكتف بإعلانين أول ثلاثة على الأكثر، على درجة كبيرة من الجودة، بل تهتم بجمع أكبر عدد من الشخصيات، ما بين الرياضي، وشيخ الأزهر، والفنان، والطفل المريض، وآخر في مرحلة العلاج، ولا مانع من إعلان به أغنية، وآخر به مشهد تمثيلي، فنجد صورة مشوشة تعبر عن الاهتمام بالكم لا بالكف.
ما لا تدركه مستشفى 57357 أن كثرة الإعلانات ربما تأتي برسالة عكسية للمشاهد، فالصوره لديه أن القائمين على الإعلانات، فئة “غنية” تريد من المحتاج أن يتبرع لمحتاج مثله، وحتى وإن كانت هذه الفكرة غير صحيحة، فلا أحد يمكنه أن منع المشاهد من التفكير في هذا، وهو ما يعتبر خطرًا على قيمة التبرع في حد ذاتها.
3- رسالة
جمعية رسالة قررت “تلعبها صح”، وذلك باستعانتها بالفنانين من الشباب، فبعد أن أثيرت العديد من الشكوك حولها بعد سقوط نظام الإخوان، أرادت الجمعية أن تنفي عنها ما تردد من انتمائها للجماعة الإرهابية، فقررت ليس فقط أن تستعين بالشباب، بل بالفنانين منهم، ومن بينهم هبة مجدي، وحسن الرداد، ومحمود عبد المغني، ومي سليم، ودُرة وهي بالطبع خطوة ذكية، لكنها أيضًا لم توفق في عدد الإعلانات التي طالما ما تأتي بنتيجة عكسية ويشكك في صدق الإعلان.
4- بهية
إعلان بهية لم يوفق في اختيار المشهد التمثيلي الذي أظهر طفلا يعيش وحده ويخاطب أهله في جميع تفاصيل حياته، فالفكرة أولا غير واقعية، أما رمزيتها المفزعة فغير محبب أيضا تجسيدها في إعلان، فليس مطلوبًا ترويج أن وفاة الأب أو الأم سيجعل الطفل ضائعا هكذا في الحياة، لأن من المفترض وجود دور آخر للدولة والمجتمع في هذه الحالة.
فالتبرع القائم على “الفزع” شيء، وأن يدرك المجتمع قيمة المشاركة لإنقاذ حياة إنسان شيئًا آخر.
أما صوت الفنانة منى زكي الملئ بالثقة فهو النقطة الايجابية في الاعلان، خاصة وأنها الوجه الإعلاني للمستشفى من البداية.
كما نجد نسخًا من الإعلانات لا يتم عرضها بشكل كامل على شاشة التلفزيون، ولكن يوجد لها نسخة كاملة على موقع اليوتيوب، وتكون عادة أغنية مهداة للمستشفى، مثل أغنية “بهية” التي غناها محمد النحاس.
5- مركز علاج الأورام بجامعة المنصورة
ربما لم يأخذ حقه بين باقي الإعلانات الخيرية، فهو فنيًا “إعلان عادي”، وتقليدي، حيث اعتمد على أغنية قصيرة بصوت الفنان إيهاب توفيق، والذي يختمه بجملة “مركز علاج الأورام بجامعة المنصورة .. مش بس بيعالج الألم ده كمان يبزرع الأمل”.
6- بنك الشفاء
اعتمد بنك الشفاء في حملته لعلاج “فيروس سي” على أغنية في نهاية الإعلان يؤديها “كورال” أطفال، ارتسمت على وجوههم البسمة والأمل، فهم شيء مميز في الإعلان، الذي قام على مشهد تمثيلي لأشخاص يطردون من عملهم بسبب المرض، وهو بالطبع هنا يبرز جزءًا من معاناة مرضى فيروس سي.
7- جمعية الأورمان “علاج السرطان في الصعيد”
الفكرة هنا قائمة على خطاب يوجهه كل من الفنان أحمد السقا، والفنانة هند صبري، للمشاهد، حيث يستعرضا معاناة أهل الصعيد القادمين إلى القاهرة طلبًا للشفاء من السرطان، وذلك في إطار الدعوة للتبرع لإنشاء مستشفى “شفاء الأورمان” في الصعيد.
جاء الإعلان تقليديًا، اعتمد فقط أن وجها السقا وهند صبري، “هيعلق” في ذاكرة المشاهد، ولكن كان يمكن استغلال وجودهما بشكل أفضل، كما كان يمكن تمثيل مشهد لهذه المعاناة، التي تحدثا عنها ولا يراها المشاهد في مشهد تمثيلي، ولكن يحسب للإعلان أن الخطاب قام على جمل حقيقية في وصف المعاناة، بدلًا من الضغط على المشاهد، لنيل عطفه.
8- جمعية الأورمان “كرتونة رمضان”
يحسب للأورمان تمسكها بالفنانة والإعلامية منى عبد الغني، كوجه إعلاني لها، حتى اصبح المشاهد يربط بينها وبين الجمعية، ولكن النقطة السلبية فيه، هي إظهار السيدات وهن يستلمن “كرتونة رمضان”، من عربة الأورمان، فكما لا يجب استغلال الأطفال المرضى، لا يحب استغلال الفقراء أيضًا في إثبات “إنجازات” الجمعية.
9- مستشفى 500 500 لعلاج الأورام
اعتمدت حملة المستشفى المفترض إقامتها بالشيخ زايد، والتي تتردد أخبارها منذ عام 2010، على مشاهد تمثيلية مؤثرة، ثم صوت الفنان محمود الجندي، القريب من قلب المستمع.
فجاءت هذه الحملة الأكثر اكتمالا بين باقي الإعلانات، خصوصًا الإعلان الذي يظهر الأم القلقة على حياة ابنتها الصغيرة المصابة بالسرطان، ثم يأتي “الصوت التضامني” للجندي ليقول “متشيليش هم يا أم منة مصر كلها واقفة معاكي”.
الإعلان الآخر للمستشفى، جاءت قصته مؤثرة عن أب يشارك طفله كل تفاصيل حياته، ويعلم بانه مصاب بالسرطان ليبدأ قلقه على ابنه من بعده، فإذا كانت الفكرة مميزة، وتم تنفيذها جيدًا، إلا أن الإعلان يؤخذ عليه إظهار الطفل وحيدًا في نهاية الإعلان، وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه إعلان مستشفى “بهية” المشار إليه سابقًا.
10- أهل مصر
في الوقت الذي تمتلى مواقع التواصل بالانتقادات لإظهار الأطفال المرضى، حتى المتعافين منهم، في إعلانات التبرعات، واعتبار ذلك “استغلال”، تقوم مستشفى أهل مصر بعرض صورة واضحة “برغم الإضاءة الخافتة”، لأطفال مصابين بحروق بالغة، يخافون الاختلاط مع الأطفال الآخرين.
الإعلان ريما سيعتبر من أسوأ إعلانات هذا العام، فاستغلال الأطفال المصابين ليس فقط فقرًا فنيًا، ولكنه أيضًا يضر بنفسية الطفل، الذي حتى وإن أتم علاجه، فستظل إصابته موثقة في إعلان تلفزيوني.