اغتيال النائب العام.. خبر مؤلم لا يحتاج لخبراء استراتيجيين حتى ندرك أن الوضع قد صار أكثر تعقيدا، أن اللعبة قد دخلت في مستوى جديد؛ مستوى أكثر صعوبة، يجعل تراجع أي طرف عن موقفه شبه مستحيل. بكل تأكيد لست أساوي بين الطرفين، لا تستوي الدولة ككيان قانوني –حتى لو جارت وظلمت– وبين من يحمل السلاح ويقتل المواطنين تحت راية الدين أو أي راية أخرى.
لكن بمنتهى الأمانة أدهشتني ردود الأفعال كما لم تفعل من قبل، لم أتخيل أن أجد كل هذا الأنقسام، أن أجد البسمة والفرحة تملئ قلوب الشامتين تصل إلى دائرة معارفي التي تكاد تخلوا من أبناء جماعة الإخوان المسلمين والمؤيدين لهم. لم أتوقع أن أجد كل هذا الكره تجاه كل من يمثل الدولة وجهازها القضائي، من أشخاص لا علاقة لهم بالتيارات الإسلامية من قريب أو بعيد.
إننا أمام لحظة شديدة الخطورة، عادت بنا إلى ذكريات فض رابعة والنهضة الأليمة، وما تلاها من حالة إنقسام واستقطاب لم تشهدها مصر من قبل. وبينما تستمع الدولة لصرخات أحمد موسى المطالب بقتل الجميع، وأصوات مؤيدي الرئيس الذين يطالبونه دائما “بالفرم”، فلن تلاحظ بكل تأكيد حالة الإنقسام التي يعاني منها الشعب،وخاصة قطاع الشباب الذين تضاعفت الفجوة بينهم وبين النظام عشرات المرات مقارنة بما كانت عليه منذ عامين.
“أفرم يا ريس”.
يرددها الآلاف في هذه اللحظة، مطالبين بالقصاص، بالانتقام لرجل دولتهم، مطالبين بالأمان والحسم والاستقرار، غير عابئين بما سيسببه الفرم هذه المرة!
أعرف أن ضبط النفس في هذه اللحظة شىء مستحيل، خاصة وأن الملايين ينتظرون الرد الذي يعيد هيبة دولتهم التي انتخبوها فقط لتكون قوية.. لكي تفرم أعدائها. لكن قبل أن نضغط على هذا الزر، قبل أن نعلن الأحكام العرفية، قبل أن نقبض على مئات المشتبهين حتى تظهر الدولة أنها مازلت موجودة، هل يمكن أن نفكر لدقائق ما الذي جناه النظام من سياسته الأمنية على مدار العامين الماضيين؟!
قبل أن تتهمني بأني مرتعش مطالب بالتعامل الحكيم مع القتلة، أو أني أشكك في نوايا النظام التي لا أراها تنعكس في تصرفاته، سأطلب منك أن تنزل إلى أيا من مدارس الجمهورية أو جامعتها، وقم باستفتاء حقيقي بين عشرة طلاب، أؤكد لك أن أغلبيتهم سيؤكدون لك أن الدولة ضد الحريات، أن الدولة ضد الإسلام، أن 30 يونيو هي حركة للقضاء على يناير بداية من تعبير الشباب عن أنفسهم، ونهاية بعودة الداخلية لنهج ما قبل الثورة.
لقد عشنا على مدار عامين كاملين أسوء حالات الهيستريا، استغلتها المؤسسات الأمنية لتقول للجميع أنها عادت لفرض سيطرتها على الشعب بالقوة مرة أخرى. واستغلها أخرون لكي يظهروا أصحاب نفوذ، وأخرون لكي يعودوا الأضواء، وأخرون لكي يكسبوا مجد وتاريخ نضالي على جثة كل مختلف مع سياسات الدولة حتى لو كان الاختلاف حرصا على الدولة وليس كرها لها.
أذكر لي عدد 3 إعلاميين معارضين مسموح لهم بالعمل من داخل مصر؟! أذكر لي عن فصيل أو حزب مسموح له بممارسة السياسة؟ أذكر لي 3 قضايا شعر المواطنين بعدها أن الدولة يمكن أن تخضع للمحاسبة؟!
أنظر من صاروا نجوم ورموز الدولة الآن؟ مجموعة من الشخصيات التي يتفق الشباب على كرههم وفسادهم، أشخاص تعودوا دائما أنهم على جانب الفساد والظلم، لذلك من الطبيعي أن يقرر الشباب أن يختار الجانب الأخر.
أنظر كيف حاولت الدولة حماية نفسها وأبنائها تلقائيا في حادثة تلو الأخرى، بداية من عربة الترحيلات ومرورا بقانون التظاهر ومذبحة الدفاع الجوي ووصولا لعطيتو طالب هندسة عين شمس، حتى اكتسبت الدولة أعداء من كل الألوان والأطياف. أنظر كيف استطاعت الجهود العشوائية لمسؤولين وإعلاميين وفنانين في نشر انطباع لدى العامة بأن الدولة والإسلام بينهم عدواة، ليسلموا توكيل الدين للإخوان وحلفائهم بمنتهى السهولة من خلال محاولات عشوائية مخزية تحت شعار التنوير ومحاربة الفكر المتطرف!
هل تعرف كيف تبرر ذلك لشاب غير ملوث لم يتجاوز الـ20 عاما كل شىء بالنسبة له أبيض أو أسود، شباب لم يعرف اللون الرمادي وأكل العيش والتعايش مثلنا!! هل تعرف كم هو سهل تجنيد هذا الشاب خاصة إذا كان قد فقد صديق أو قريب؟!
لست أبرر للإرهاب، ولن أطالب بسلامة الخاطفين والمخطوفين مثل الرئيس المعزول، بل على العكس، أطالب بمنتهى القصاص العادل والرادع من كل من يتجرأ ليرهب هذا الوطن. لكن كل ما أرجوه اليوم أن يفكر صناع القرار في دولتنا في تبعات قرارتهم، في أن تكرار الحل الأمني دون بذل مجهود رهيب لتحقيق العدالة أسوء بكثير من عدم فعل شىء.