محمد إسماعيل الحلواني
في عام 2018، أسس مجموعة من الصحفيين الأتراك المنفيين في برلين محطة إذاعية على الإنترنت أطلق عليها اسم “نحن أحرار”، وفي حين كثفت حكومة رجب طيب أردوغان قمعها للصحافة، واصلت المحطة الإذاعية تزويد المواطنين الأتراك بالمعلومات المستقلة بعيدًا عن الميول الحزبية.
وشاركت المجموعة فقرات البودكاست من موقع الإذاعة على الويب على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر، ويوتيوب، وسبوتيفاي، لإدراكهم أن ملايين الأتراك يعتمدون على هذه المنصات للحصول على أخبار غير خاضعة لمقص الرقيب.
في الأسبوع الماضي، أصدرت الحكومة أمرًا جديدًا يحظر موقع الويب الخاص بالإذاعة ويقيد الوصول إليها داخل تركيا، وبالتالي مُنع المستمعون من الوصول إليه. واتهمت السلطات التركية فريق الإذاعة بـ”تهديد الأمن القومي”، وهو اتهام مرسل أخفق نظام أردوغان في ذكر أي أدلة عليه فلا يوجد من المواد التي بثتها الإذاعة ما يشكل مثل هذا التهديد.
ويعد القرار التركي بحظر الإذاعة الخامس من نوعه خلال 16 شهرًا. في المرة السابقة التي حدث فيها حظر إحدى وسائل الإعلام، إذ أدانت 38 منظمة دولية الخطوة ووصفتها بـ “المضايقات الفجة” للصحافة والإعلام.
ويقول الصحفي التركي “كان دندار”، في مقاله المنشور بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية: “في الماضي، تمكنا من تفادي مثل هذه الأوامر بمساعدة منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي رفضت إسقاط المحتوى الخاص بنا على الرغم من ضغوط حكومة أردوغان، ولكن مواقع التواصل الاجتماعي الآن تواجه أيضًا خطر الإغلاق حيث تشن الحكومة حملة جديدة ضد وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا تزال واحدة من آخر معاقل حرية التعبير في تركيا”.
وأضاف دندار: “جاءت الحملة الحكومية على محطتنا الإذاعية بعد أيام فقط من تمرير البرلمان التركي مجموعة من اللوائح الجديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، واستغرق أعضاء البرلمان 24 ساعة فقط لتمرير القانون الجديد الذي يفرض على المنصات تخزين بيانات المستخدمين في تركيا وفتح مكاتب تمثيلية لها في البلاد، بمعنى آخر، عندما تجد السلطات إشكالية في تغريدة ما، فإنها ستجبر مكتب تويتر التركي على حذفها. فإذا رفضت الشركة، ستفرض عليها الحكومة غرامات باهظة. وينطبق الشيء نفسه على مقاطع الفيديو على يوتيوب التي تمتلكها جوجل”.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الصحافة في تركيا تشبه لعبة “المطرقة والحفرة”. بينما يحاول أردوغان سحق رؤوس الصحفيين بمطرقته، يجد الصحفيون حفرًا جديدة للظهور مرة أخرى، إذ أنه من الواضح أن الرئيس يسعى بشدة إلى القضاء على الأصوات المستقلة إلى الأبد.
فيما تزعم الحكومة التركية أنها تتخذ القوانين التي وضعتها ألمانيا كنموذج لها لمكافحة الدعاية اليمينية المتطرفة وجرائم الكراهية، والتي تزايدت على مدى السنوات القليلة الماضية، وزعمت حكومة أردوغان أن العديد من شركات وسائل التواصل الاجتماعي لديها مكاتب تمثيلية في ألمانيا، لذلك يجب أن تكون تركيا قادرة على المطالبة بالمثل وإذا كان على رؤساء شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى في الولايات المتحدة أن يحاسبوا على أفعالهم أمام الكونجرس، فلماذا لا يُسمح للبرلمان التركي بمحاسبتهم بالمثل؟
وتابع دندار: “من المهم وضع ثلاث نقاط في الاعتبار. أولاً، تركيا ليست دولة ديمقراطية، فقد سجنت السلطات التركية أكثر من 100 صحفي بسبب مقالات أو تغريدات – وهو أمر لن تسمح ألمانيا أو الولايات المتحدة بحدوثه لصحفييها”.
واستشهد بالتقرير الصادر عن مجموعة Media Freedom Rapid Response، فقد وصل عدد المواقع المحجوبة في تركيا إلى 409000 موقع ويب وتم حجب ويكيبيديا، وهي واحدة من هذه المواقع، لمدة عامين ونصف. من بين 181000 طلب إغلاق حساب تلقاها تويتر في السنوات السبع الماضية، كان 84000 طلبًا من تركيا. إذ تحتل تركيا المرتبة الثانية في طلبات إغلاق الحسابات التي لا تروق لحكومتها.
وقال دندار: “ثانيًا، منحت حكومة أردوغان البيروقراطية مجالًا واسعًا لفرض رقابة على المحتوى. وفقًا لتقرير مؤسسة حرية التعبير، تمتلك 17 مؤسسة مختلفة سلطة منع الوصول إلى مواقع الويب، ويمتلك الموظفون بمجلس أسواق المال ووزارة الشؤون الدينية سلطة مراقبة المحتوى لأسباب تعسفية”.
تابع: “وثالثًا، عندما نقول محتوى إشكالي، وفقاً لوجهة النظر الأردوغانية، فالأمر لا يتعلق بمواد إباحية أو مقاطع فيديو تعليمية حول صنع قنبلة، بل ربما يتعلق بالحديث عن فضيحة تورط فيها وزير المالية بيرات البيرق، صهر أردوغان. وكان المقال المعني …