رباب طلعت
بالتوازي مع حوادث النصب والابتزاز والتحرش، وغيرها من الجرائم التي يتعرض لها الشباب من خلال الشبكة العنكبوتية، يقع الكثير منهم فريسة لجرائم أشد وقعًا، منها سرقة أحلامهم والتلاعب بها، مما يرميهم في دوامات الاكتئاب والأمراض النفسية، التي قد تصل إلى الانتحار، سواء عن قصد أو غير قصد، من قِبل صفحات أو مشاهير السوشيال ميديا.
لظاهرة “التلاعب بالأحلام” الكثير من الوجوه منها الاستتار وراء مفهوم الدعاية والتسويق لصفحات بعينها، وتارة أخرى تظهر في أرباح وهدايا وهمية يقدمها الإنفلونسرز، الذين تعد حياتهم التي يشاركونها مع الجمهور هي الأخرى وسيلة تلاعب بأحلام البعض، حتى وإن كانت في شكل صور معدلة بـ”الفوتوشوب” أو لضحكات زائفة لقصص حب بدايتها زخم من الهدايا ونهايتها اتهامات وتراشق، وفيما يلي يرصد “إعلام دوت كوم” أبرز تلك الظواهر:
كام لايك وتحقق حلمي؟
بعد نجاح الشاب المصري محمد أنور، في الفوز بتحدٍ دخل فيه مع صفحة على الـ”فيس بوك” باسم “المجموعة الروسية للدراسة بالخارج”، وهو حصوله على 10 ملايين تعليق على منشور له يتضمن إشارة للصفحة، مقابل تكفلهم بمصاريف السنة التحضيرية ودراسته كاملة للهندسة بإحدى الجامعات الروسية، انتشرت جملته “كام كومنت..” ملحقة بحلم الطالب من المطلوب منه، وقد تفاعلت بالفعل الكثير من الصفحات مع طالبي الخدمات الذين لجأوا لهم وكأنهم مصباح علاء الدين، الذي سيحقق لهم أحلامهم سواء كانت دراسة أو مال أو وظيفة وغيرها، والهدف الأساسي من ذلك هو التسويق للصفحة المروجة لمنتج ما أو جهة ما.
قصة محمد أنور “الوردية” لم تكتمل كما توقع المتحمسون للتعليق عنده ومساعدته على الوصول إلى حلمه، فقد بدأت الصفحة بمراوغته، والتنصل من وعدها معه، بإعلانها أنها ستكون مسئولة فقط عن تخليص إجراءات سفره والتسجيل للدراسة في روسيا، دون التكفل بكافة مصاريف دراسته في الجامعة، ما عبر عنه بمنشور عبر حسابه الشخصي بأن “الفرحة انطفت”، لتنتهي القصة بنهاية مأسوية للشاب الذي بنى الكثير من الطموحات على تلك الرسالة، واستفادت الصفحة فقط دعاية مجانية لها وصلت لما يزيد عن 10 ملايين متابع من مصر.
تحدي الـ 10 ملايين تعليق انتهى بتبادل الاتهامات.. تعرّف على التفاصيل
هدايا بالآلاف مقابل مكاسب بالملايين
على خطى الصفحات في المسابقات الزائفة، يسير مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي “الإنفلونسرز”، أو “اليوتيوبر”، أو غيرها من المسميات التي باتت تطلق عليهم، مؤخرًا، حيث تعتمد بعض الصفحات طريقة الدفع لهم مقابل زيادة عدد متابعيها عن طريقهم، وممن اشتهروا بتلك الطريقة في التسويق أحمد حسن، وزوجته زينب، حيث يتابعه على إنستجرام 2.5 مليون شخصًا، ويعلن عن توزيع هواتف ذكية وساعات ماركات غالية، وآلاف الدولارات، وذلك مقابل عمل المتسابق متابعة لكافة الحسابات التي يتابعها هو على إنستجرام، وهو ما يقوم به أيضًا علي غزلان الذي يتابعه 1.7 مليون متابع على إنستجرام، وآخرين.
الكثير من “اليوتيوبرز” كشفوا السر وراء تلك المسابقات الغريبة التي تظهر وكأنها أرباح من الهواء، يحصل عليها المتابع بمجرد عمل follow لعدة صفحات لن يضره متابعتها في شيء، ولكن دون معرفة حقيقة الفائزين بها، وكيفية حصولهم على الجوائز، كما أوضح البعض من خلال فيديوهات على “اليوتيوب” أن ما يحدث هو اتفاق مسبق ما بين الإنفلونسر وعدد من الصفحات، بأن يزيد لهم عدد المتابعين، مستغلا الملايين الذين يتابعونه، مقابل مبلغ يتراوح من 4 آلاف إلى 6 آلاف جنيهًا لكل 100 ألف متابع جديد، أي أنه في المرة الواحدة إذا ما طلب أحدهم من متابعيه عمل متابعة لـ100 حساب، فقد حصل هو على ما يتراوح ما بين 400 إلى 600 ألف جنيه، مقابل آلاف قليلة يوزعونها -إذا ما كان يتم توزيعها بالفعل- على المصدقين لمثل تلك المسابقات.
الهدايا مش ببلاش!
بخلاف حملات التسويق المباشرة، التي يدشنها مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، عبر حساباتهم، للإعلان الصريح والمباشر لمنتج ما، يلجأ الكثير منهم لطرق تسويق أشد تأثيرًا على المتابعين، حيث يصور الإنفلونسر نفسه، وقد تلقى هدية قيمة من أحد الماركات الشهيرة، أو حتى غير الشهيرة، ويبدأ في مدح المفاجأة غير المتوقعة، ويتقدم بالشكر لهم وفي النهاية يطلب من المتابعين بأن يجربوا ذلك المنتج سواء كان أدوات تجميل أو ملابس أو أجهزة ذكية أو إلكترونية أو حتى أطعمة وعصائر وخلافها.
تلك الطريقة مجدية بشكل كبير، بحسب ما نشرته جامعة “توركو” الفنلندية للعلوم التطبيقية بحثًا عن سلوك المستهلكين عبر السوشيال ميديا، جاء فيه أن 78% من المستهلكين يتأثرون “بشدة” في توجهاتهم الاستهلاكية بما يتعرضون له على مواقع التواصل، و66 % منهم قد يلاحظون ماركات المنتجات التي تظهر في صور بعض الأشخاص السوشيال ميديا وفقًا لاهتمامات كل متابع، و 59% منهم يقومون بعمليات شراء “غير مخطط لها” بناء على ما يشاهدونه عليها، ويلجأ 61.5% منهم لصفحات الأصدقاء أو الصفحات المتخصصة لاتخاذ قرار شراء منتج ما، بالتالي في حالة مشاهدة أحد متابعي الإنفلونسرز لتلك الهدايا التي ينخدع فيها إما يتخذ على الفور قرار شرائها أو تصبح واحدة من قائمة أحلامه، على حسب توافقها مع مستواه المادي من عدمه، وهو لا يعلم أنه يتلاعب بمشاعره لدفعه لتجربتها حتى وإن لم يكن في حاجة لها.
الاستقرار vs البلالين
من أكثر المظاهر تلاعبًا بمشاعر وأحلام الشباب أيضًا على السوشيال ميديا، هو قصص حب المشاهير، بالرغم من أن الكثير منها لا يستمر، حتى بعد الزواج، فعلى سبيل الذكر، قصة حب المصور حسام عاطف، الشهير بـ “أنتيكا” وسلمى الكاباريتي، الشهيرة بـ”سنجوب”، التي بدأت من رسالة على الرسائل الأخرى على الفيس بوك، لتتم خطبتهما بعد 6 سنوات، ثم ينفصلان فينتفض متابعوهم غضبًا واستنكارًا، إلى أن يتزوجا، وتصبح قصة حبهما حديث السوشيال ميديا، ولكنها لا تدوم كثيرًا حيث تنتهي بطلاقهما، وخطوبة سلمى من شخص آخر.
الكويتية روان بن حسين مثال آخر، حيث إنها أحد أكثر الإنفلونسرز شهرة في الوطن العربي، وحديث مواقع التواصل الاجتماعي برفاهية حياتها، وثرائها الفاحش، وثراء زوجها رجل الأعمال الليبي، والذي لم تنعم قصة زواجهما بهدوء قط، حيث اتهمته بخيانتها وقت الخطبة، وانفصلا، ثم تزوجته ولم تعلن ذلك إلا بعد ولادتها ابنتها، ولكن سرعان ما يتطلقا، وتفضحه على السوشيال ميديا، بأنه صاحب علاقات غير شرعية كثيرة، ما تسبب في عدواها بمرض جنسي، مؤكدة أنه اغتصبها قبل زواجهما.
المثالان المذكوران، كل منهما كان له طريقته في التلاعب بأحلام الشباب، فسنجوب وأنتيكا، قصة حب بسيطة بدأت على السوشيال ميديا وكان أبرز ما يميزها الصداقة التي تربط بين الزوجين، والحرية التي يشاركان صورهما فيها من قبل الزواج، والأوقات السعيدة التي دائمًا ما يحرصان على مشاركة المتابعين لهما بها، أما روان بن حسين، فكانت ملامح الثراء الفاحش، والزواج الذي كان يبدو سريعًا وسرعان ما تتوج بطفلة، حلم أي فتاة، ولكن انفصالهما كشف الغطاء عن أن ليس كل ما يظهر من مظاهر الحب على السوشيال ميديا حقيقة.
فلتر ولا روتين؟
في يوليو الماضي، أثارت قصة الفتاتين الصينيتين اللاتي قررتا نشر صورًا توضح شكلهما الحقيقي قبل استخدام الفلاتر على “سناب شات”، ضجة كبيرة في العالم كله، حيث أكدا من خلال نشر الصور بأن الكثير من المشاهير خاصة البنات يخدعون الجمهور بصور زائفة يتم إضافة الكثير من التعديلات والفلاتر عليها ليظهرن عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مثالي، وهو ما تعتمد عليه الكثيرات في زيادة عدد المتابعين خاصة من البنات اللاتي يبحثن عن “روتين” يومي للعناية بالبشرة والشعر والجسم لتصبح كل منهن مثالية كالأنفلونسرز، ولا تعلم كل منهن أن ذلك مجرد “فلتر” وليس نصائح الروتين التي تتكرر كثيرًا دون علم أو دراسة حقيقية، مما يضرهن أكثر من نفعهن.
كل تلك المظاهر هي في الحقيقة أشكال مختلفة من الخداع، وقع فيها متابعو بعض الإنفلونسرز، والبعض ليس الكل بالتأكيد وتلاعبت بأحلامهم التي تسعى وراء الحب الكامل والجسم المثالي والثراء الفاحش مثل من يتابعونهم، وهو ما لا يصلون إليه أبدًا بتلك السهولة، مما يصيبهم بالكثير من اليأس والإحباط.