فيما كانت تقضي مصر ليلةً عصيبة وكئيبة عشية العمليات الإرهابية التي وقعت ضد رجال الجيش في الشيخ زويّد في عدة نقاط ، وفيما كنت في صلاة التراويح ، كان مجموعة من الصبية يُخططون “لخناقة” وحرب شوارع في الصف الخلفي ، وقبل أن تنتهي الصلاة كانوا قد انتهوا من رسم الخُطة وبادروا بالإنسحاب من المسجد وتنفيذ الهجوم عقب التسليم من الصلاة ، لم أكن مُحبذاً سماع الخُطه وترك سماع الإمام ، لكن فيما يبدو كان الصبي يتلو الخطة في أُذُني ، انصرفت تلك المجموعة الأساسية ، وتبقت مجموعةَ أُخري أقل جُرماً و بأساً ، أعتقد أنها الجيل الثاني الذي يمارس كل أنواع الشَغَب داخل المسجد تحت الأضواء والمراوح والماء البارد والتي تستعد لتخرج وتصبح جيلاً جديداً هي الأخري !
مرت دقائق قليلة وفي أثناء الإستراحه صدمني طفلاً لايتعدي السنوات الخمس بلفظ لا أُصدق أني سمعته ومر علي أُذُني في بيتٍ من بيوت الله ، وقتها لم أجد غرابة في تفسير “نظرية الجُلاش” التي نعيشها حرفياً بكل التفاصيل ، نحنُ الآن أشبه باللحمة المفرومة أثناء وضعها بين طبقتي الجُلاش
تخيلت السادة المُطالبين بتنقيح التراث وكُتُب أئمة الحديث ويجدوا في تلك الكُتُب مادة دسمة للتأويل والعناوين المثيرة للجدل التي تخطف عين الزبون كنت أتمني تعليق أحدهم علي ما سمعت ورأيت ، وتخيّلت رجال الأزهر والأوقاف…..لحظة ولماذا أتخيّل والإمام يسمع خطة الحرب هو الأخر بالفعل ويشاهد العبث واللهو داخل المسجد ، ولايزال صامتاً ، لقد أصبحنا فريسة لطرفين أحدهما لايقل تجارة بالدين عن التيارات المتطرفة ولكن بشكلٍ مُختلف ، وطرف وكأنه أُصيب بالشلل منذ أعوام لايري لايسمع لايتكلم ، طرف يذكرني بما أطلقه قيصر روسيا “نيكولاي الأول” علي الدولة العثمانية في أواخر عهدها في القرن التاسع عشر “رجل أوروبا المريض” الأزهر الآن مريض بمرض لا أحد يفهمه ولا أحد يتطلع أن يُجري جراحهً عاجلهً له ، مناهج لم تر تطوراً من زمن بعيد وما أٌقصده هو التطور الحقيقي وليس حذف نص وإضافة آخر ، الأزهر يواجه هذا الكم المُتلاحق من الإرهاب والتغييب وظواهر الإلحاد وغيرها بالبيانات والدعاء لمصر في إذاعة القرآن الكريم ، بينما الطرف الأول يعتمد علي مجموعة من الهواة للطعن في الأحاديث وكُتُب التراث لأغراض تبدو مفهومة ، وكلا الطرفين منعزل عن الواقع والشارع ، السادة في حلبات النقاش والمتطاحنين علي صحه حديث للبُخاري لساعاتٍ طويلة تناسوا تماماً التدهور المُرعب لأخلاقيات الشارع وأخلاقيات الأطفال التي تحدثتُ عنها ، الأزهر والإفتاء يتبعان منهج يبقي الوضع علي ماهو عليه وعلي المتضرر اللجوء ل 0900 أو الفضائيات أو حتي سماح أنور وهي هترد بنفسها من 12 بالليل
والسادة المستفيدين من المزايدة علي التراث لايهم أحدهم سوي مشاهدات في القنوات وعدد زيارات في المواقع ونُسخ في الصُحُف ويبقي الشارع يصارع نفسه ويتطاحن علي فرض الأفكار بكل الأشكال العنيف منها وغير العنيف ، لا أحد صادق ، وخلف كل قناع ألف قناع إلي مالا نهاية من الأقنعه كل واحدٍ منها يبدواً مُقنعاً لدرجة الرُعب ، يومياً أُشاهد معاناة رامز جلال في إرتداء قناعٍ واحد لضبط المقلب جيداً، بينما كل هؤلاء الواحد منهم مضروباً في ألف قناع ولا يجد أي معاناة في الخلع أوالإرتداء
كلمة تجديد الخطاب الديني أصبحت مُكررة ومبتذلة وسطحية أكثر من برامج المقالب التي تعتمد علي جهل المتلقي أكثر من براعه ومهارة المؤدي
لا أحد يُنكر التقصير الأمني في سيناء ولسنوات طويلة ، لكن تقصير رجال الدين بشع ومؤلم ، لا أسمع عن حملات تجوب القري ، لا أسمع عن مجموعة من العلماء المتخصصين ينتشروا علي مواقع التواصل لنشر الأراء والأفكار الصحيحة ومناقشة الشباب بشكل معتدل ، لم يعد هناك حفلات للقرآن الكريم في المحافظات ، لامسابقات لتحفيظ القرآن ، لا حملات في الشوارع والمواصلات العامة ، لا سياحة إسلامية ومزارات للتلاميذ والطُلاب ، لاشئ ، لاتفكير ، لا جديد ، ماذا لو قرر أحد رجال الدين أن يرتدي قميصاً وبنطلون منطلقاً نحو المترو فاتحاً ذراعه لمناقشات عشوائية حول أي موضوع ، ماذا لو قرر أن يسأل الأطفال أسئلة بسيطة مانحاً للفائز كتاباً صغيراً أو قطعة حلوي ، ماذا لو قرر أن يلتقط سيلفي مع الفائز واضعاً إياها علي صفحته علي فيسبوك ؟!
إلي مصر العظيمة ونظامها ومسؤوليها لا يحدثنا أحد عن محاربة الإرهاب وأنت تركت الدين لتجار الدين والمنتفعين منه من الطرفين متخذاً من مسدسات الميه أداة للدفاع عن الدين علي خط النار معتقداً أنها ستجعل خطوط النار برداً وسلاماً !