يقترب من إتمام عامه الثانى داخل السجن دون محاكمة، مصاب بفيروس «سى»، فى زنزانة لا يخرج منها إلا ليستقبل تجديد حبسه وعددًا آخر من الأيام يضيفه إلى ما ضاع من عمره دون جرم سوى ممارسة مهنته.
الرسائل التى نجحت فى التسلُّل من سجن محمود شوكان، إلى النور، تزداد كلماتها يأسًا ومرارة كل مرة. يحكى فى رسالته الأخيرة كيف وصل إلى الشحوب الذى نراه على وجهه فى كل جلسة تجديد حبس، وكيف بات فقدان الوعى روتينًا يوميًّا فى «زنزانة عفنة»، وهو لا يعلم متى ينتهى «الكابوس المظلم»، كما وصفه، فى رسالة أخرى أرسلها فى اليوم العالمى لحرية الصحافة.
مئات الأيام مرَّت، جرب فيها أصدقاء شوكان كل الحيل ليلفتوا النظر إلى قصته، وقفات احتجاجية وبيانات صحفية ودعوات للتضامن من صحف ومؤسسات دولية، كل هذا لم يفلح فى حصوله على إخلاء سبيل أو حتى فى التعجيل ببدء محاكمته.
كغيره ممن امتهنوا الصحافة، حمل شوكان كاميرا خاصة ونزل ليرصد بالصور حدثًا كان يظنّه كغيره من الأحداث التى شهدناها جميعًا كصحفيين خلال السنوات الأربع الماضية، لكن الحدث ألقى به سجينًا منذ فضّ اعتصام رابعة العدوية حتى اللحظة.
يحرص شوكان فى كل رسالة أن يذكّر بأن الصحافة مهنته التى بذل من أجلها كل هذا، ومن بين سطوره ترى كيف أدَّى عدم وجود جنسية أخرى ولا مؤسسة ينتمى إليها إلى استمرار معاناته. ويقول فى رسالة أخرى إن التجاهل هو أكثر شىء يقتله.
يرصد عمرو نبيل، أحد مؤسسى شعبة المصورين فى نقابة الصحفيين، جهود زملاء شوكان للتعريف بقصته والمطالبة بالإفراج عنه، فيقول إنها لم تقتصر على الوقفات الاحتجاجية التى تشهدها سلالم النقابة بشكل متكرر، فقد تواصلوا مع المؤسسة التى كان يعمل لصالحها فى هذا اليوم، وحصلوا على خطاب رسمى منها يفيد تكليفه بتغطية أحداث فضّ اعتصام رابعة العدوية، كما حصلوا على شهادات من زميل فرنسى يعمل مصورًا، ويُدعى لويس جانيه، كان إلى جواره فى هذا اليوم، والذى بدوره توجَّه إلى السفارة المصرية فى باريس، وقال فى شهادة موثَّقة إنه كان يغطّى أحداث الفضّ ثم قُبض عليه مع شوكان ومصوّر أمريكى آخر، ثم أُفرج عنه مع الأمريكى بعد ساعتَين، وبقى شوكان حتى الآن سجينًا.
جمع أصدقاء شوكان، كل هذا مع شهادات أكثر من خمسين صحفيًّا عن عمله ووجوده من أجله فقط، وقام نقيب الصحفيين السابق، ضياء رشوان، بإرسال خطاب إلى النائب العام يفيد ضمان النقابة له، وتوضيح جهة العمل التى يتبعها ويطالب بالإفراج عنه ولم يحدث شىء.
فى اتصال مع شقيقه محمد، يقول إن والدهما زاره «الأربعاء» الماضى، ووجد حالته الصحية متردية، فمحمود الذى دخل السجن مصابًا بفيروس «سى» تفاقم مرضه فى الداخل، نظرًا لغياب المتابعة الصحية. ويضيف أن الكتب والصحف ممنوعة عن شوكان طوال الفترة الماضية، والطعام يتم تفتيشه بعصا قذرة قبل أن يسمح لهم بإدخاله.
وحسب محاميه أحمد عبد النبى، فإنه الآن فى طريقه لإتمام المدة الأقصى للحبس الاحتياطى، كما حددتها المادة 143 من قانون العقوبات، وهو يواجه تُهمًا من بينها القتل والشروع فيه من دون أن يكون معه سلاح أو أدلة على ذلك. ينتظر محاموه أن تبدأ المحاكمة أو يسمع أحد صوتهم المطالب بالإفراج عنه أو أن يشمله أى عفو قريب.
فى ظهوره الإعلامى الأخير، قال رئيس الدولة «كان لازم نقبض على ناس علشان الباقيين يعيشوا». قرروا هذا نيابة عنّا وعنهم، تبرَّعوا من أيام وأعمار لكى تترسخ سلطاتهم، لكنهم لم يقولوا لنا كيف ستعود لهؤلاء أيامهم الضائعة، ومَن سيعوّضهم عما يرون من ظلم فى السجون من أجل أن يعيش غيرهم؟ وكيف ستستمر الحياة عادية مستقرة بكل هذا الذى يحدث؟
سيخرج شوكان يومَا ما، نتمناه قريبًا، وسيعود إلى ممارسة مهنته ويعوّض بدأبه وإصراره وحبّه للكاميرا ما فاته من إنجاز وتحقق مهنى، لكن أيامه وأحاسيسه بالقهر واليأس والتجاهل والألم النفسى والجسدى لن يعوضها شىء.
نقلًا عن موقع “التحرير”