في بداية عملي في مجال التقارير التلفزيونية، كنت غاوي مقالب ومشاكسات مع زملائي، وكان يشاركني فيها أحيانًا صديقي السيناريست والناقد الفني “رامى عبد الرازق”، حيث كان يعمل معنا وقتها كمعد للتقارير التلفزيونية .. وكنا وقتها نتبارى في كتابة السكربت واستخدام لغة مختلفة ونحت مصطلحات جديدة ساعده فيها موهبته في الكتابة وثقافته الواسعة ومحاولاته في كتابة السيناريو، وساعدني فيها دراستي الاعلامية وقراءاتي المتعددة.
وكان حظنا يجمعنا في العمل مع مونتيرة مبتدئة وقتها كانت في منتهى خفة الدم ودائماً تبدي ملاحظتها على نوعية الكلمات التي نختارها فى بدايات السكربت وروابط الجمل وغيرها لانها كانت تثق بنا كثيراً .. وفي مرة سألتنى سؤال عابر عن سبب استخدام كلمتي اقيم و عقد ككلمة ثابتة فى بداية اي تقرير تلفزيوني، وفي وجود “رامي” راقت لي فكرة انى اشتغلها بان ارد عليها رد صارخ فى السخرية والتهكم وادرس رد فعلها.. وانا ضامن ان “رامى” سوف يساندني باستماتة في محاولة اقناعها بالأكذوبة لما يتميز به من رصانة ومنطقية فى الكلام والاقناع.
وبدأت بديباجتي وجديتى بدون ضحك او استهزاء كمن يتكلم فى موضوع اكاديمي بحت وقلت لها يا فلانة الموضوع ابسط مما تتخيلى لان عقد تستخدم فى بداية اسكربت اى تقرير بشرط ان تكون اول لقطة من التقرير لناس قاعدين على الترابيزات وهنا تصبح عقد ملائمة بينما اقيم تناسب التقارير التي تبدأ بلقطات لناس واقفين .. وعضد كلامى طبعاً الفنان الفيلسوف “رامى عبد الرازق” وبدا عليها الاقتناع ولكنى من داخلى كنت مقتنع ان السخرية واضحة وحسيت انها كشفتنا وقررت انى اتوقف لان واضح انها فهمت الخدعة وعرفت اننا بنستعبط وبتجارينا وخلاص !!
وانتهى الموضوع عند هذا الحد .. لافاجأ بعدها بعدة ايام بمراسل جديد وقتها يبدو عليه التأزم والضيق والعصبية ولما سألته مالك يا فلان ؟! قاللى عندى تقرير باكتب سكربت عنه وعاوز ابدأ التقرير بكلمة اقيم ومش كلمة عقد بس المشكلة ان الناس قاعدين ؟! وهنا بدأت حواسى كلها تنتبه وتذكرت انه كان موجودا وقت مزاحنا مع المونتيرة ولم نركز معه او اعتبرنا انه هو الاخر اكتشف الخدعة .. ولان هذا المراسل كان جاد جداً وملوش فى الهزار فبدأت اتعامل مع الموضوع بحذر شديد ولكنى اكتشفت انى امام استكمال واحد من المقالب التاريخية ولذلك منعت الضحك او الانفعال المبالغ فيه .. ورديت بمنتهى الهدوء وقلتله مش مشكلة ولا حاجة ده موضوع بسيط جداً … انت تروح المكتبة تسأل امين المكتبة وتقوله انا عاوز اى لقطات قديمة من اى تقرير قديم لناس فى بداية مؤتمر بشرط يكونوا واقفين وتستخدمها فى تقريرك عادى وتقول عليها اللى انت عاوزه .. وقلت له بالنص انت تروح تقوله عاوز تقرير فيه ناس واقفين !!!!
وطبعاً كنت اعلم مدى الجريمة التى فعلتها خصوصاً اذا عرفتوا ان امين المكتبة ده كان عصبى جداً وحاد المزاج بالاضافة الى كمية لا بأس بها من الاباحة وسلاطة اللسان وحتى هذا اليوم لما اعرف اى تفاصيل عن لقاء السحاب بينهما او اذا كان المراسل فعلاً اقتنع بكلامى وذهب بكل ثقة لامين المكتبة العصبى وطلب منه تقرير فيه ناس واقفين ام لم يذهب اصلاً !! لانى صراحة كنت مشغول بانى احكى لكل اللى اشوفه القصة الغريبة وكان على رأسهم طبعاً المونتيرة وذهبت اليها مسرعاً وقلت لها تصورى المراسل الفلانى بيقوللى انه كان موجود يوم ما كنا بنشتغلك وبنقولك على عقد و اقيم وبيسألنى انه عاوز يكتب اقيم بس الناس قاعدين .. وكان رد فعلها مفاجأة لى بكل المقاييس عندما قالت لى “يا لهوى … هو انتوا كنتوا بتشتغلونى ؟؟!!” ولأنى مش باحب اظلم حد فقد ذهبت بعد فترة للمراسل وقلت له انى من هواة الكتابة الساخرة
وسبق لى نشر كتاب عبارة عن مقالات ساخرة اسمه “الكتابة على طريقتى” وانى بحسى الساخر وجدت فى قصة اقيم وعقد مشروع مقال ساخر، يمكن ان اضمها لكتابى الجديد ولكنى متخوف من ان يكون قد فهم الخدعة من البداية وعمل علينا ما يسمى بالمقلب العكسى لكى يكشفنا .. وهنا كنت ساقرر للامانة عدم كتابة الموضوع باعتبار ان المقلب مكشوف من البداية ، وفوجئت به يؤكد انه كان مقتنعاً بالقصة ولم يشك فى كلامنا ابداً … وهنا اوضحت له انى سوف احكى المشهد يوماً ما فى مقال ساخر والان انفذ ما ذكرته له ولكن بعد اعتزاله مجال الاعلام .. لكن ليس بسببى او بسبب عقد واقيم بالطبع !!!!