الإعلام هو أخطر سلاح فى قبضة مرتزقة الجماعات الدموية فى الشرق الأوسط ويرتبط الإعلام المدعوم من حكومات، عليها مئات من علامات الاستفهام، بتلك التنظيمات بخيط رفيع نكاد نراه واضحا وكلاهما اتفقا علنا على كسر إرادة الجيوش وترهيب الشعوب التى لم تكسر فى المنطقة وإنهاء الهوية الحضارية لمجتمعات راسخة قديمة والدور كان على مصر بعد القضاء على قدر كبير من تراث وحضارات بلاد الشام والعراق واليمن.
فى وسائل الإعلام الغربية وتحليلات الخبراء المعروفين تظهر «الشيخ زويد» باعتبارها كانت تمثل نقطة تدشين أول إمارة «داعشية» تنطلق بعدها جماعات الزحف المقدس إلى مدن أخرى ومن ثم الإعلان عن دخول مصر «حزام داعش» وإجراء مقايضات يكون فى مقدمتها عودة جماعة الإخوان إلى الحياة السياسية وتمكين تيارات الإسلام السياسى من السلطة وفقا لخيالاتهم المريضة.
تجارب الإعلام «التعبوى» المكلف بتمكين الدواعش مع الحالة المصرية محبطة وليست على قدر نجاحه فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وهو إعلام يخدم مصالح حكومات وتحالفات مشبوهة وبالتالى ترتفع وتيرة جنونه كلما وقفت مصر عصية عليه وعلى ما هو مرسوم أو مقدر.
تلك الحالة ستبقى ما لم يكن هناك تحرك دبلوماسى وشعبى لتوصيل رسالة إلى الإعلام «المٌسيس» الوافد من عواصم عربية ومن دول مجاورة أن مصر ليست لقمة سائغة لمن يدفع أكثر فى سوق الإعلام. أيضا، لا يكفى أن نوجه اللوم إلى انحياز أو رداءة التغطية فى الصحافة الغربية لأن موروث الصحفيين الأوروبيين والأمريكيين يحمل قدرا كبيرا من التحيزات الاستعمارية القديمة التى ترى المنطقة العربية بمنظار جنرالات الحرب من أيام الحرب العالمية الأولى والثانية وتنفى عن شعوبها القدرة على بناء مجتمعات خالية من الجهل والتعصب والطائفية وغالبية التغطيات الصحفية، ومنها معالجة ما يجرى فى مصر بعد ثورة 30 يونيو، يحمل وجهة النظر السابقة حيث لا ترى تلك الصحف سوى مصير داعش وحكم الجماعات المتطرفة التى تربت فى أحضان الاستخبارات الغربية فى مواجهة أى مشروع وطنى يتحرر من أسر الماضى ويحاول أن يستنهض الهمم لبناء دولة مدنية حديثة.
ملاعيب التشكيك فى الجيش المصرى وقوته والحديث عن وحشيته ضد المجرمين والقتلة فى سيناء على لسان ضيوف قناة الجزيرة هو جزء من التركيبة السابقة للإعلام «المنحط» الموجود فى المنطقة وهو يوسع رقعته ويضيف أدوات جديدة من صحف وقنوات ومواقع وآخرها سيطلق بعد أسابيع على يد رئيس التحرير السابق فى القناة حيث سيقدم موقع «هافنتجتون بوست» الأكثر شهرة فى العالم نسخة عربية ستكون تحت إمرة المسئول السابق فى الجزيرة وقد بدأ بالفعل فى مغازلة كُتاب من مصر والمنطقة بمقابل مادى كبير. لن أتحدث هنا عن القنوات الفضائية «المحلية الطابع» التى تتحدث بلغة مصالح ملاكها ولا تملك حرفية مهنية تصل برسالتها للعالم الخارجى لأن إخفاقها لا يحتاج إلى شرح!
تصحيح الضعف الإعلامى فى مواجهة الحرب الدائرة فى سيناء والتغطية المجحفة فى الإعلام الخارجى يستدعى خطوات عاجلة يتعين القيام بها فى الأيام والأسابيع المقبلة.
إطلاق صحيفة مصرية يومية باللغة الإنجليزية، ورقية وإلكترونية، يتم تأمين تمويل كاف لها عبر قنوات غير تقليدية وتحفيز القطاعات الخاص وأصحاب الاستثمارات من المصريين على المساهمة فيها عن طريق الإعلانات والاشتراكات وتوزيعها فى اليوم نفسه فى الدوائر الغربية وتكون الصحيفة صوت الدولة وتعبيرا عن توجهات المجتمع المصرى وليست بوقا دعائيا لأحد. وبالمثل، إنشاء عدد من المواقع الإلكترونية بلغات أجنبية يمكنها ملء الفراغ الحالى فى مخاطبة مجتمعات تصلها الحقائق مشوهة من مصادر أخرى.
استخدام موقع «يوتيوب» بشكل محترف لإنشاء قنوات تلفزيونية بعدد من اللغات دون تكلفة باهظة والترويج لتلك القنوات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
تشكيل «مجموعة عمل إعلامية» محترفة تقوم بإعداد رسائل عن الحرب الدائرة ضد قوى التطرف فى مصر وفى محيطها العربى وتقوم بجولات خارجية لدوائر صناعة القرار والصحف ومراكز الأبحاث الغربية.
إصدار كتاب حقائق عن الأوضاع الداخلية ومواجهة جماعات التطرف وقوى الإرهاب فى سيناء وتوزيعه على السفارات والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية والمؤسسات المالية العالمية ومراكز التفكير وتحديث الكتاب بشكل دورى منتظم.
تلك بعض الأفكار التى نحتاج تطبيقها بشكل عاجل فى ظل حرب يبدو أنها ستطول، والأطراف الداعمة للتنظميات المتطرفة تراهن على الإعلام المحترف الموالى لها.. فَلِمَ لا نغير من طريقتنا ونتجه إلى الاحتراف أكثر لكسب معركة لا توجد فيها خيارات أو بدائل..؟!
نقلاً عن الاهرام