اللحظات الأصعب دائما في حياة أي إنسان هي لحظات توديع أحبائه، لحظات توديع أقرب الناس، أن تكون مسؤولًا عن إيصال من جاء بك للدنيا لمثواه الأخير وهو يغادرها مسؤولية كبيرة قد لا يدركها الكثيرون إلا لحظة الشعور بها، لحظة ربما لا يكون هناك تفكير بها في أوقات سابقة لكن في وقتها يكون الفكر مشتت لإنهاء أمور كثيرة في زمن قياسي وبأقل المضايقات الممكنة، حتى مكالمات العزاء والمواساة وقتها وإن كانت ضرورية فإنها تجعل صاحب المأساة في أزمة حقيقية.
المؤكد أن اللحظة التي يبلغ بها الإنسان بهذا الخبر تكون من أقسى لحظات حياته، يوم يبقى في الأذهان بكافة تفاصيله، مهما طال الزمن، المشهد يبقى في الذاكرة لا يفارقها، ليتبعها يوم أو يومين مليئين بتفاصيل على غرار تجهيز المقابر، مكان صلاة الجنازة، من سيأتي، وأين سيقيم، ومن نستطع استقباله في المنزل، وأين ستتجمع العائلة، تفاصيل كثيرة تكون إجابتها باتصالات هاتفية وزيارات ربما لا تتوقف لعدة ساعات.
قد يبدو عمرو محمود ياسين قويا جدا، فالابن كتب على صفحته عبر فيسبوك خبر وفاة والده، وبعدها بساعات قليلة كتب عن الجنازة وتفاصيلها، وأجرى 5 مداخلات هاتفية في برامج تمثل 5 محطات تليفزيونية مختلفة للحديث عن وفاة والده الفنان محمود ياسين، في نظر البعض قد يكون عمرو قاسيا، فالابن لم يدفن أبيه ويجري مداخلات هاتفية، لكن بنظرة موضوعية هو أنصف والده متحملا مسؤولية كونه نجل محمود ياسين الوحيد، الذي يجب عليه أن يبقى قويا أمام الجميع ويساند شقيقته ووالدته في مصاب العائلة.
للنجومية ضريبة يدفعها الفنانون، ضريبة الشهرة التي لا تفرق بين الموت والفرح، بين الأحزان والآلام التي يعيشها الشخص وبين أوقات أخرى يمكن له أن يتحمل بعض المضايقات نتيجتها، ربما أكثر من عبر عن هذه المسألة في تصريحات تليفزيونية هو الفنان أحمد السقا الذي تحدث عن رغبة المعجبين في التقاط الصور التذكارية معه وهو يتلقى عزاء والده! لم يدركوا وقتها أن السقا الإنسان وليس النجم هو من يقف لاستقبال المعزين في وفاة والده، أفقدته النجومية خصوصية هذه اللحظة.
دفع عمرو الضريبة الفنية للعائلة، لم يترك الباب مفتوحا للاجتهادات أو التعليقات، أعلن الخبر وتفاصيله بوضوح من اللحظة الأولى، شرح تفاصيل دقيقة للجميع لتجنب أي مشكلات قد تحدث، اختار أن يبقى صامدا، يتابع مع العائلة تفاصيل الدفن والجنازة لينهي إجراءات خروج محمود ياسين لمثواه الأخير بشكل يليق بمكانته، وفي نفس الوقت تحمل عبء الإعلام ومهمة التواصل معه نيابة عن الأسرة مرضيا غالبية المحطات الفضائيات الهامة.
“معقول عمل مداخلة قبل ما يدفن أبوه” تعليق ربما يكون قاسيا ومنطقيا لدى كثيرين، لكن أحيانا يكون على الابن الوحيد أعباء كثيرة، خاصة إذا كانت الوفاة متوقعة نتيجة المرض، بالتأكيد يكون المشهد قاسيا وأنت غير قادر على فعل أي شيء لمن جاء بك للدنيا لكن في الوقت نفسه تكون تجهيزات وترتيبات الوداع الأخيرة حاضرة، وهناك استعداد على الأقل نفسي لها يمهد لتقبل الخبر والصدمة فور حدوثه.
صحيح أن الأعمار بيد الله، لكن مقدمات الوفاة بالمرض والدخول في غرفة العناية الفائقة والتقارير الطبية التي توضح صعوبة النجاة يكون لها التأثير الأكبر في تسهيل تقبل الصدمة نفسيا على الأقل والتعامل معها، ربما هذا ما حدث مع عمرو بشكل أو بآخر وجعله يبدي صمودا في مواجهة محنة فراق أقرب الناس إليه.
وقف عمرو أمام كاميرات الفضائيات في ساحة مسجد الشرطة الذي أقيمت به صلاة الجنازة متحدثا بوجه شاحب، مشهد ربما يكون الأصعب عليه، فالابن الذي عاش مع والده ورافقه في إطلالاته الأخيرة وهو يتسلم التكريمات، هو نفسه الابن الذي وقف ليتحدث في مشهد وداع مكرما من زملائه ومحبيه، رغم الفارق بين المشهدين وتحول الحالة من فرح بالتقدير لحزن على الفراق، إلا أن الابن رافق والده على الحلوة والمرة.