مشكلة قانون مكافحة الإرهاب الحقيقية فى جمهور مؤيديه.
إنهم يمنحونه بتصفيق حاد حرية هدم الحرية فوق دماغنا.
الشعب المصرى فى أغلبه متحمِّس جدًّا لقانون الإرهاب ولا يطيق كلمة نقد فيه وعنه، ومستعد تمامًا كى يتهم أى شخص يهاجم أو يعارض أو يريد تصحيح مواد فى هذا القانون بأنه عميل للإرهاب أو أنه متخاذل أو نُخبة معفّنة.
هذا طبيعى جدًّا، فالمواطن يرى بلده فى خطر والدولة تقول إنها فى حاجة إلى هذا القانون كى تحمى البلد، فلماذا يعارضونه إلا إذا كانوا مجموعات سيئة الذكر من النشطاء والحقوقيين والصحفيين التى أودت بالبلد فى مصيبة الإخوان!
هذا هو المفهوم الشعبى السائد عن قانون الإرهاب، ولا بد من احترام هذا التخوُّف وتقدير قلق المصريين على وطنهم، خصوصًا أن هذا التأييد العارم لقانون مكافحة الإرهاب دون حتى قراءة بنوده لم يأتِ بحشد الجماهير إعلاميًّا (بالعكس) ولا بحشدهم من خلال قوى سياسية، فكلها تعبانة تعانى روماتيزمًا جماهيريًّا مذهلاً، ولكن تأييد الناس للقانون تلقائى تمامًا ينبع من مشاعر وطنية قلقة على البلد.
لهذا تأتى مهمة المعارضين لمواد فى القانون أو للقانون نفسه أن يتفهموا هذه المشاعر، وأن يعلنوا بوضوح قاطع أنهم يسعون إلى مكافحة الإرهاب ربما أكثر من هذه الحكومة، وأنهم لا يختلفون على الهدف ولا على المهمة، ولكن فقط مشكلتهم مع الوسيلة.
هذه قضية مع أجهزة الدولة لا يمكن أن تكسبها دون تأييد شعبى ودعم قطاعات المجتمع كلها لك (أو طبعًا بتفهُّم الرئيس لمطالبك شخصيًّا، وهنا أنت تحتاج أيضًا إلى هذا الغطاء الشعبى).
لنحذر جميعًا ونحن ننتقد أو نهاجم مواد فى هذا القانون أو القانون كله على بعضه من أن نخسر المجتمع أو ننفصل عنه.
طبعًا لا يوجد قانون مكافحة إرهاب صدر فى الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا أو الهند أو أى دولة فى العالم، حظى برضا وموافقة إجماعية، بل ورفض الصحفيون تحديدًا فى كل هذه الدول هذه القوانين.
قانون مكافحة الإرهاب يمنح لأى حكومة صلاحيات أوسع من أن يحتملها مناصرو الحرية، ويستهدف دائمًا الصحافة والإعلام عمومًا، حيث بالنسبة إليه (وهى حقيقة فعلاً) هو سلاح كبير للغاية فى ترويج الإرهاب وفى محاربته كذلك، إذن ما نجد أنفسنا إزاءه فى مصر عقب إعلان مشروع قانون مكافحة الإرهاب ليس جديدًا إطلاقًا.
لكن المأزق هنا أن الدولة المصرية دائمًا تتعامل مع حرية المعلومات وحرية التعبير بأنهما خصم وربما عدو، والعقلية الحكومية تسعى دائمًا إلى إعلام الطبل والزمر والتعبئة والحشد، والأجهزة الأمنية لا تريد صداعًا من الإعلام.