المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي منذ الساعات الأخيرة من ليلة أمس وحتى الآن، لا بد وأنه صادف فيديو الراقصة البرازيلية في أحد صالونات التجميل بمصر؛ والذي حقق ملايين المشاهدات حتى الآن.
كالعادة انقسم المتابعون لفريقين؛ الأول يشيد بموهبة الفتاة في الرقص وبجمال جسدها وخفة دمها وحلاوة فستانها وحركاتها وضحكتها وكل ما فعلته في الفيديو بلا استثناء، ربما يكون الأمر مبالغا فيه بالطبع، لكن الموقف برمته كان أشبه بالجلسات الخاصة للرجال عندما تصبح على الملأ، كلنا نعرف أن هذا يُقال بينهم لكن مبيقولوش ومابنقولش!
المهم أنه بناء على ذلك ظهر الفريق الثاني المندد بنشر الفيديو، وأنه لماذا لم تجعله يقف عندك حتى لا تتحمل وزر من شاهده بسببك، وبدأت النقاشات والخلافات بين المتابعين على الحسابات الخاصة والصفحات العامة، لدرجة أنه ظهر فريق ثالث يفعل كلا الأمرين، يندد بنشر الفيديو، ومن يسأل في التعليقات عن الفيديو المقصود يرد عليه باللينك! منتهى العبث.
هي فعلا حالة من العبث والاتهامات والتراشق بالإيمان والكفر على التايم لاين خلال ساعات معدودة، هذا يتهم ذاك بنشر الفحش والترويج له، والآخر يرد مُتهما إياه بادّعاء الإيمان والتدين المزيف، لأنه مجرد فيديو من بين ملايين مشاهد الرقص التي نراها على الشاشات الإلكترونية، وحتى في الواقع في المناسبات والأفراح.
مع تصاعد وتيرة الانتقادات والمشاحنات بين الطرفين، ظهر تريند جديد في نهاية اليوم، لكنه من رحم التريند الأول، يسير على نفس الخطى، وبنفس الناس، بدون راقصة بالطبع، ولكن من خلال شاب يدعى محمد أشرف، قدم ستاند أب كوميدي عن طريقة تحدث مذيعي إذاعة القرآن الكريم.
بعيدا عن الاختلاف في وجهات النظر بين خفة دم أو ثقل ظل الشاب وما قدمه في الفيديو، لكن الأمر اتخذ منحى مختلفا وهو الاتهام بالإساءة للدين والسخرية منه، بل وصل الأمر إلى حد التهديدات بالقتل، وتقديم بلاغ من الهيئة الوطنية للإعلام ضد صاحب الفيديو.
الغريب أن الفيديو المتداول يعود تاريخه ليناير الماضي، من حفل “جلوكال شو” الذي تضمن عروضا مختلفة للاستاند أب كوميدي، لكن لسبب مجهول انتشرت الفقرة المتعلقة بالإذاعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، وسط تصاعد وتيرة الانتقادات والإساءة للشاب بدافع الغيرة على الدين.
الأغرب أنه من بين نفس الناس الذين أشادوا بالراقصة، ظهر من هاجموا صاحب فيديو الإذاعة، ومن بين من شاهدوا فيديو الراقصة ولم يعلقوا بالسلب أو الإيجاب، انتقدوا فيديو الشاب وما فعله في حق رموز الإذاعة، وأصبح الكل مراقبا ومحللا ومحاكما لمواقف الأخرين.
التريند أخذ منحى الإيمان من أقصى اليسار في الصباح لأقصى اليمين في المساء، نمدح الراقصة ونكره اللي يقول أمين على فيديو الإذاعة، تناقض صعب لكنه ليس بغريب، في الواقع نحن جميعا كذلك، أو على الأقل نراه دوما ولا نستغربه؛ لا يوجد قضية واحدة لعبت على عواطف المصريين وخرج منها أحد مهزوما، خاصة كل ما يمس الدين، شعب متدين بالفطرة نعم، لكن ليس تدين الأفعال بل المحبة، إعمالا بمبدأ “أحب الصالحين ولست منهم”.
صحيح هناك تغيرات في المجتمع مؤخرا ونماذج مختلفة، لكن السمة الغالبة أننا نحب الدين ونشعر بتقدير واحترام في داخلنا للمتمسكين به، حتى وإن لم نظهره، ونعترف أننا من المسيئين لكن لا نجاهر… إلى آخره من الأفعال التي تشير إلى بذرة إيمان في قلوب الجميع، ترويها المحبة ويدمرها الإفراط أو التفريط، لذلك لا ينجح المتطرفون ولا العلمانيون في سياسة المصريين، لأن الشعب في المنتصف بين هذا وذاك أساسا.
الخلاصة أنه من الجيد أن نحافظ على البذرة الطيبة في تقديس الدين لا الأشخاص والأماكن، وأن نميز بين الإساءة للدين وبين تقليد مذيعين أيا كانت المحطة التي يعملون فيها.. والأهم أن نقدم عروضا مضحكة بالفعل، لأن المصري إن ضحك لم يلتفت لمضمون ما يراه حتى وإن كان عن إذاعة القرآن.. وربما كانت المشكلة الحقيقية في أنه لم يضحك!