إسراء النجار
تبنت شركة “كوكاكولا” طريقة مختلفة لتقديم إعلانات 2015، التي نشرتها في حملة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، إذ اختارت الشركة فكرة التسرع في الحكم على بعضنا البعض، والأخذ بالظاهر والشكل الخارجي، دون النظر إلى جوهر ومعدن الأشخاص، وجاء شعار الحملة “لو خدنا ثانية زيادة هنشوف بعض أحسن، خلى رمضان بداية”، مستخدمة صوت الفنانة إسعاد يونس استغلالًا لنجاحها إعلاميًا.. لكن بنظرة شاملة على الإعلان ربما نصل لنتيجة مفادها أن “الحلو مايكملش”.
قيم حلوة.. بس كلمني أكتر عن العلاقة!
“مش بالشكل ولا الأوصاف، إوعى تحكم على الكتاب من الغلاف، الناس أنواع وطباع وتفاصيل كتير، زي بصمة الصباع كل واحد غير، مش كل جواب بيبان من عنوانه، ولا كل صوت في عقلك تسمع كلامه”، هكذا جاءت الكلمات معبرة وذات معني في الأربعة مشاهد التي قدمتها الحملة، مطعمة بصوت إسعاد يونس وهى توصف كل شخصية: “إحنا بنحكم غلط على بعض في 7 ثواني، خد ثانية زيادة واحكم صح”.
قدمت الحملة ياسين الزغبي وهو ذو احتياجات خاصة، فبعد أن وصفته بأنه “ضعيف، ووحيد، ومنعزل، وغريب”، يطل علينا وهو بطل سباق سيارات، وكذلك إنجى المر وجدناها “متدلعة، وفرفورة، وكيوت، وخوافة”، لتفاجئنا بكونها بطلة التزلج الشراعي على الماء.
“فاضي، ابن أمه، هايف، بتاع بنات”، هذا هو الوصف الطبيعي للحكم المتسرع على علي أبو النصر، ولكن الحقيقة، “علي” أحد مؤسسي كرة القدم للمفوفين، أما عبادة سرعان ما نتهمه بأنه “بيئة، وصايع، وخطر”، وهو من أمهر 8 عازفين على مستوى العالم.
قيم جميلة.. نماذج إنسانية.. أمل.. بهجة، كل هذا وأكثر ستجده في إعلانات كوكاكولا لهذا العام، نحن أمام أربع مشاهد متصلة من حيث القيمة التى تقدمها، لكن ما علاقة تلك القيم بالمنتج المراد ترويجه؟ الإجابة “لا شيء”، فيما سـ”يفصلك” عن الإنجذاب لتلك القيم مشهد متحدي الإعاقة وهو يشرب “كوكاكولا”، وكأنها مثلًا أحد أسباب تحديه للإعاقة، رغم أنه كان من الممكن الاكتفاء ببراند الشركة المعروف، على اعتبار أن المعنى وصل.
عَمَلْ خير.. لكن الرك على النية!
أطلقت كوكاكولا هاشتاج #ثانية_تفرق، الذي حمل شعار “ارفع إيدك في وش الحُكم الغلط”، حيث دعت كل فرد من محبى الحملة إلى التقاط صورة يرفع فيها شعار الحملة، وينشرها عبر الهاشتاج، ليساعد في تطوير ١٠٠ قرية فقيرة، مؤكدة أنه مع كل صورة هنتبرع بجنيه زيادة.. كلام يبدو جميلًا، ولكن:
أولًا: كوكاكولا قالت إنها لن تعلن عبر التليفزيون وستكتفي بإعلاناتها على “السوشيال ميديا” كي تساعد في مشروع الـ100 قرية، وهي بذلك استخدمت تبرعها لـ100 قرية أصلًا كإعلان لترويج منتجها.
ثانيًا: كوكاكولا ذكرت نصًا أنه “بدل ما نعرض الإعلانات على التلفزيون هنساهم في تطوير أكثر من 100 قرية فقيرة في مصر”، إذن طالما أقرت الشركة بأنها ستتبرع مما ستوفره من عدم الإعلام على التليفزيون، لماذا تطالب المواطن بالمشاركة؟
ثالثًا: شكل تلك المشاركة نفسه يثير تساؤلات.. الشركة ستتبرع بجنيه مقابل أن أنشر صورة لي وأنا أؤيد حملتها، أي أنها لن “تتبرع” بل ستخدمني وتستخدمك للإعلان لها ولحملتها مقابل جنيه تدفعه للقرى الفقيرة!
قول للزمان يرجع يا زمان
لطيف من شركة كوكاكولا أن تحلق في إعلاناتها خارج الإطار -وهو ما أصبح موضة بين شركات عدة مؤخرًا- فالاختلاف مطلوب عندما لا يكون مبتذلًا، وعندما يكون على علاقة بمنتج الشركة “أي شركة”.
ولكن السؤال: بعدما انكشفت الحملات الإعلانية لرمضان 2015، هلّا تتوقف الشركات عن استغلال إنسانية المشاهد ومشاعره، خاصة أنها أصبحت فجأة تقدس العائلة والتاريخ والذكريات والمواهب الدفينة، بينما لا يحركها سوى “نسبة المبيعات”؟ّ!
وهو ما يدعونا للتساؤل أيضًا هل أصبح لدينا حنين إلى إعلانات “زمان” ببساطتها وتقليديتها، دون أى “فذلكة” من المعلنين، على الأقل في الوقت الراهن؟