فاطمة خير
أؤمن كثيرًا أن في كل محنةٍ منحة، مع أن الكلام عن هذا الأمر يبدو منطقيًا للغاية في هذه السنة الصعبة، التي ذاق فيها العالم خسائر جمة غير متوقعة، طالت الجميع لا فرق بين غني وفقير، عالم أول وعالم ثالث، لكن الأذكياء وحدهم هم القادرون على النجاة في قلب العاصفة حين يدركون أن التغيير مفاجئ كان أو متوقع؛ هو أمر من سنن الحياة.
في هذا الإطار يكون من المنطقي أيضًا الحديث عن كل ما أصاب العملية التعليمية منذ مارس الماضي وحتى الآن، بإدراك تام أنها من أكثر المجالات التي طالها التغيير سواء كان إيجابيا أو سلبيا، ولا يتعلق هذا الأمر بمصر وحسب بكل تأكيد، لكنه هي ما يهمنا هنا، وضعًا في الاعتبار أن طبيعة المصريين لا تتقبل التغيير بسهولة، لذا لم يكن من السهل أبدًا أن يتم التعامل مع كل الخطوات التي تم اتخاذها في هذا السياق، وفي كل الأحوال مرت السنة الدراسية الماضية بحلوها ومرها، وها نحن قد استقبلنا العام الثاني تحت وطأة الكورونا.
ما يهمني هنا هو الجانب المتعلق “بالشاشة”، هذا العام تم إطلاق قناة “مدرستنا” التعليمية، وهي خطوة ذكية وشديدة الأهمية، جاءت في وقتها تمامًا، لتحل مشكلة حلت مع أزمة الكورونا، لكنها أيضًا تحديث لفكرة القنوات التعليمية، وتتيح أداة مجانية للتعلم تحقق العدالة.
يحق لنا الاحتفاء بخطوة إطلاق القناة، مع الوضع في الاعتبار اعتبارات السرعة، وقد جاءت “طلة” القناة جميلة ومريحة، والفواصل ذات ذوق رفيع، ومبهجة، وبالتأكيد فقد تم بذل مجهود كبير للتحضير لها بغرض اختيار العناصر القادرة على مواجهة الشاشة من المعلمين والمعلمات الأفاضل، لكن هذا ليس كل الأمر، فلا يزال الطريق طويلًا كي تكون القناة جذابة للفئة المستهدفة، فالأطفال والمراهقين بطبيعتهم يتجهون لما يعجبهم لا لما يفيدهم.
ولأجل ذلك – وبرغم رشاقة حركة الكاميرا وفقًا للمتاح في الاستوديو – فبالتأكيد هناك حاجة ضرورية لاستخدام أدوات شرح توضيحية ولا يتم الاعتماد على الشاشة وشرح المعلم وحسب، فإذا كان الشرح لخطوط الطول والعرض مثلا يحتاج ذلك لوجود مجسم للكرة الأرضية، أو جرافيك، وذلك مجرد مثال.
مسألة أُخرى، من الضروري جدا الوضع في الاعتبار مراعاة الطلاب الصم والبكم، وذلك بوجود مترجم لغة إشارة في ركن الشاشة، ستكون هذهِ بالتأكيد خدمة عظيمة تجعل مهمة التيسير على فئات الطلاب مكتملة.
ويأتي أمر بناء علاقة قوية بين الطلاب والقناة، ليمثل تحدياً حقيقياً للقناة، إذا تحقق ستكون هذه القناة نقلة عظيمة في العملية التعليمية في مصر، ليس في وجود وباء الكورونا وحسب؛ وإنما كأداة تعليم مستمرة، وأعتقد أن جزء كبير من بناء هذه العلاقة يعتمد على التفاعلية، والتي ربما تحتاج لتفكير عميق، وخروج حقيقي من الصندوق للتعرف على كيفية تنفيذها، لكنه أمر لو تحقق سيضمن قوة ضاربة لصالح مسار العملية التعليمية في مصر، وسيوفر الكثير من النفقات على أولياء الأمور.
ربما سيكون من المفيد أن نحفز الطلاب أنفسهم على تقديم الأفكار في هذا الإطار، فقد يكون اللجوء إليهم أفضل من التفكير المنفرد، وربما يكون السبيل لذاك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على تنوعها، وأيضاً الفترات المفتوحة، وغيرها من الأفكار التي تصب تماماً في مصلحة الطالب واقتصاد الأسرة، بل والعلاقات الاجتماعية، فإعادة توزيع وقت وجهد الأٍسرة بعد توفير كل المهدر في اللحاق بالدروس الخصوصية في غير ضرورة؛ سيعني بالتأكيد جودة حياة أفضل لكل أفراد الأسرة.
تحية كبيرة لمشروع إطلاق قناة “مدرستنا”، ولروحها المشرقة، وأمل كبير يتوقف عليها أن تكون قناة تعليمية عصرية تفاعلية، تخدم الأسرة المصرية.