محمد إسماعيل الحلواني
كشفت سارة لونسدول، في كتابها الذي نُشر هذا الأسبوع، بعنوان “متمردات بين الحربين.. قصة كاتبات وصحفيات اتسمن بالجسارة وعشق المغامرة”، عن جوانب من حياة رائدات الصحافة الأوروبية وهي جوانب يعترف المراقبون بأن العديد من الصحفيين والصحفيات تجاهلوها في الماضي.
تقول “لونسدول”: “في ليلة ملتبسة أثناء الحرب الأهلية في مدينة مالقة الإسبانية، مساء 19 فبراير 1937، استولت القوات القومية للجنرال فرانكو على المدينة وامتلأت السجون بالسجناء السياسيين وانتشرت الملصقات تحمل صورة موسوليني وفرانكو وهتلر على الجدران فهؤلاء هم (الرجال الأقوياء)”.
تابعت: “في أوروبا الفاشية، وفي هذه الأجواء المضطربة كانت قدما امرأة إنجليزية تبلغ من العمر 23 عامًا تتعثران في ذيل فستانها الطويل المطبوع بالزهور، وكانت المهمة المسندة إليها هي: التواصل مع القنصل الأمريكي والحصول على تصريحات وتعليقات عن مصير الكاتب الشهير آرثر كويستلر، الذي اختطفه رجال القائد الإسباني فرانسيسكو فرانكو، وفي نفس الوقت كانت نفس المرأة تسجل سرًا تحركات القوات الإيطالية لكتابة تقرير صحفي يظهر كيف انتهكت إيطاليا اتفاقيات الحياد الدولية، وكان اكتشاف أمرها يعني الزج بها في السجن أو ما هو أسوأ”.
تساءلت صحيفة الجارديان البريطانية ما الذي دفع تلك الشابة إلى مواجهة الأخطار في شوارع مالقة المظلمة؟ ولماذا؟ وجدت الشابة المدخل المهيب للقنصلية الأمريكية مغلقًا طوال الليل، فتسلقت جدار الحديقة وقدمت نفسها للقنصل المتفاجئ الذي، تذكر ذوقه، دعاها لتناول العشاء مع أسرته.
قُتل والد شيلا جرانت داف في الحرب العالمية الأولى، وكانت مقتنعة أنها كمراسلة أجنبية تتحدث عن صعود الفاشية في جميع أنحاء أوروبا، يمكنها إقناع العالم بضرورة إيقاف هتلر. لكنها، ولأنها امراة، حُرمت من الدعم السخي الذي قدمته الصحيفة للرجال. عندما توجهت إلى التايمز للحصول على وظيفة، أخبرها رئيس التحرير بأن وظيفة المراسل الخارجي ليست مناسبة للمرأة. ولكن “شيلا جرانت داف” سارت في الدرب الصعب بمفردها. وكانت رحلتها إلى إسبانيا، عبر شمال إفريقيا وعبر البحر الأبيض المتوسط إلى جبل طارق، مستوحاة من رغبتها في إثبات أنها شجاعة وقادرة مثل الرجل.
وفي يناير 1935، سافرت إلى ساربروكن لتغطية استفتاء مهم في بلدة سار على بعد 730 ميلا من التلال الغنية بالفحم المتاخمة للوكسمبورج، وهي منطقة تمت مصادرتها من ألمانيا في مفاوضات السلام في فرساي. تميز الاستفتاء حول عودة سار إلى السيطرة الألمانية في يناير 1935 بوحشية ألمانية شديدة، مما أجبر اليهود والشيوعيين ومناهضي الفاشية على الفرار إلى فرنسا.
تميزت التغطية في الصحافة البريطانية بتفاصيل مذهلة نقلتها المراسلة شيلا جرانت داف، المستقلة عن الصحافة الدبلوماسية، فقد أقامت في البلدة وراقبت كل ما حدث حولها. وكتبت في الأوبزرفر: “إن المليون صليب معقوف المعلقة على جدران نهر سار تعطي الانطباع بأن وباء العناكب يفترس المدينة، ويمكن رؤية الذعر في جميع إيماءات نساء الطبقة العاملة اللائي يخبرن كيف تعرضن للتهديد، وكيف تم الاستهزاء بهن والبصق عليهن لكي يصوتوا في الاستفتاء حسب رغبة النازي، وأخبرتها بعضهن كيف تم فتح أبوابهن في منتصف الليل”.
استخدمت شيلا جرانت داف أوراق اعتمادها الصحفية للمساعدة في تهريب الآلات الكاتبة والأدب الناشط والأسلحة عبر الحدود إلى فرنسا. ودفعت الكثير من راحتها ومالها مقابل مشاركتها في عالم الصحافة الذي كان يستبعد معظم النساء، ويصيبهن بالمرض والقلق، ورفضتها الصحافة الدبلوماسية، فقررت العمل كمراسل مستقل.
ولكنها لم تكن الوحيدة: كانت العديد من الرائدات يسعين للحصول على موطئ قدم في عالم الصحافة الذكوري خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وغالبًا ما استخدمن أساليب بارعة وخطيرة ومراوغة للمشاركة. أصبحت الشاعرة الجامايكية أونا مارسون، التي واجهت عقبتين مزدوجتين هما التمييز الجنسي والعنصرية، محررة لصحيفة The Keys، وهي صحيفة تعزز التفاهم بين الناس من جميع الأعراق والألوان. قامت بحملة ضد “شريط الألوان” الذي منعها من العثور على عمل عندما وصلت إلى إنجلترا عام 1932، وحثت المجموعات النسائية على الاعتراف بأن النضال ضد النظام الأبوي يجب أن يشمل النضال ضد الاستعمار. واستمر نضال مارسون عندما أجبرها رجال بيض أقوياء على ترك وظيفتها كمنتجة في بي بي سي. وبالمثل، مارغريت لين، الديلي