يكثر الحديث خلال الموسم الدرامي الرمضاني حول المرصد الإعلامي لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، بسبب دوره في رصد وتحليل التناول الدرامي لمشكلة التدخين وتعاطي المواد المخدرة، غير أن هذا الدور لمن لا يعلم مستمر طوال العام وبشكل أكثر اتساعا، وهو ما ناقشنا فيه عمرو عثمان مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي ومدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي…
لم يخبرنا أحد أن أدمن المخدرات بسبب مسلسل أو فنان، لكن بالتأكيد تؤثر بشكل كبير في تفكيره، فكثير من الناس يربطون بين المخدرات وخفة الدم والسعادة والانطلاق في الدراما، لذلك هي تساهم بشكل أو بآخر في تغذية بعض المفاهيم سلبا أو إيجابا، “لكن فكرة أن فلان اتجه للإدمان بسبب مسلسل معين ده لأ محصلش”، لكن أن يتكوّن لديه فكر أو اتجاه عن موضوع معين له علاقة بالمخدرات بسبب مسلسل، نعم تحدث كثيرا.
أيضا تأتينا شكاوى كثيرة أن متعافين يقولون إنهم قد يدخلون في مرحلة الانتكاسة بسبب مسلسلات معينة، لأنه يرى خوض مطوَّل في التعاطي، وهذا يؤثر فيه بشكل كبير بالتأكيد.. “فيه مدمنين متعافين بيقولوا يا جماعة ارحمونا من مشاهد التعاطي بهذا الشكل”. ورغم ذلك نؤكد أنه خلال الفترة الماضية كان هناك حالة إيجابية للغاية فيما يتعلق بتقليل عدد مشاهد الإدمان والتعاطي.
نحن نتحدث بشكل مستمر مع صناع الدراما على التداعيات السلبية لهذا التناول، وأعتقد أنها أثرت لأن الأرقام تؤكد ذلك، وجهودنا مع صناع الدراما خفضت من نسب التعاطي والإدمان داخل الدراما، فمثلا في عام 2014 كان لدينا 13% من المساحة الزمنية للدراما بها مشاهد تدخين ومخدرات، بإجمالي حوالي 104 ساعة، لكن العام الماضي انخفضت بشكل كبير، فبلغت نسبة التدخين حوالي 2% بينما نسبة الإدمان 1%.
لا توجد نسب تعاطي أطفال نهائيا في مشاهد دراما رمضان الماضي وقبل الماضي، ما قبل ذلك كان هناك الكثير من مشاهد تعاطي الأطفال، لكن من وجهة نظري أعتقد أنه عندما يُكتب للكبار فقط، أو أن هذا العمل +18، فإنه يزيد من شغف الأطفال بمتابعته بشكل أو بآخر، وأنه طالما منعتهم سيكون هناك إقبال أكثر، هذه وجهة نظر ولا تزال هناك نقاشات بين المتخصصين في هذا الأمر، وأنا لست متخصصا في الإعلام، لكن الأمر مطروح للنقاش بالتأكيد.
عندما أنشأنا المرصد ركّزنا مع الدراما بشكل أساسي، لكن تأتينا شكاوى عن منصات معينة لها مادة ترويجية ومشجعة لأمور التعاطي والمخدرات، وبالتأكيد نأخذ ضدها إجراءات قانونية، وكثيرا ما حدث هذا الأمر، لكن في نفس الوقت استفدنا من المنصات أن حملاتنا الإعلامية كان لها نسب مشاهدة جيدة للغاية، لا يوجد شيء بلا تأثير بالتأكيد، وهناك تطور كبير، فمثلا حملة محمد صلاح وصلت لنحو 35 مليون شخص على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا الحملة الأخيرة مع أحد أبطال الصاعقة النقيب أحمد عبد اللطيف حققت 21 مليون مشاهدة.
سنعلن في وقتها، لأننا ننسق دوما أن تكون الحملات مفاجئة وقوية، فيحدث رد فعل كبير وتصل لأكبر عدد من المستهدفين.
لا يوجد مانع من أن تكون بطلة الحملة فتاة، لكن عندما أجرينا دراسة استقصائية مع الفتيات، وجدنا أن العامل المؤثر عليهن بشكل كبير هو الشباب، وليس شرطا أن تكون فتاة لكي تؤثر في بنات جنسها، “بالنسبة لها ممكن يكون النموذج الملهم ولد، فمثلا تأثير حملة محمد صلاح كان قوي جدا على الفتيات”، لذلك أقول إنه لا يوجد مانع أن تكون بطلة الحملة فتاة، المهم أن تكون هناك قصة إلهام حقيقية، فعندما قدم محمد صلاح الحملة صنع حالة قوية وتأثير كبير لدى الشباب، وأيضا حملة بطل الصاعقة أحمد عبد اللطيف كانت بتنسيق مع الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، وتزامن ذلك مع عرض مسلسل “الاختيار” الذي مهد لنا الطريق، فاستثمرنا هذه الحالة من خلال الحملة الإعلامية، ونجحت بالفعل وأحدثت تأثيرا أكثر من رائع، بل بسببها أيضا زاد الطلب على الخط الساخن للعلاج.
تجربة المرصد الإعلامي للصندوق اعتبرتها منظمة الصحة العالمية من النماذج الملهمة، وأنا عرضت هذه التجربة في الهند عام 2018 كأحد أهم التجارب في عملية رصد التناول الإعلامي للقضايا المجتمعية، في مؤتمر نظمته منظمة الصحة العالمية.
المسلسلات خارج الموسم الرمضاني “تريند جديد” إن جاز التعبير، لكن التركيز الأكبر لدينا على الزخم الموجود في رمضان، وبالتالي سنبحث إدراج هذه المسلسلات معنا في الرصد أيضا.
لدينا باحثين من خلفيات إعلامية وإجتماعية ونفسية مختلفة، للعمل على الجانب الكمي والكيفي، ويتم تدريبهم على أعلى مستوى، فنحن لسنا جهة رصد فقط، ولكن لدينا أيضا تحليل مضمون، فالأمر ليس مجرد رصد مشهد به تدخين أو تعاطي، بل قد يكون هذا المشهد إيجابي ويتم تكريمه لأنه أعطى انطباعا منفرا للمشاهد من المواد المخدرة، فمثلا رغم اعتراضنا على بعض مشاهد مسلسل “تحت السيطرة” تم تكريمه لأنها مشاهد إيجابية، الأمر ليس معارضة لأي مشاهد بها مخدرات، بل ضد كل ما يدعو إليها وليس ما ينفر منها.
لدينا 3 خطوط للدفاع في أزمة المخدرات: الأسرة والمدرسة والإعلام، إذا حدث خلل في أحدهم سيكون هناك أزمة كبيرة للغاية، وقد أجرينا بحثا عن طلاب المدارس الثانوية حول مصدر حصولهم على معلومات عن التدخين والمخدرات، فأجاب 72% من الطلبة بأنه من الدراما تحديدا، وهذه النسبة توضح كم المسؤولية الملقاة على عاتق صانع الدراما.
لذلك كلامي الدائم لصناع الدراما أن 80% من الأعمال الدرامية التي بها مشاهد تدخين ومخدرات لا تعرض التداعيات، فإذا كنت مرآة للواقع كما تقول فهذه التداعيات جزء من الواقع، لماذا ترصد شهر العسل بين المدمن والمخدرات ولا ترصد عواقب ومآسي وكوارث هذا الأمر عليه؟! ومن هنا أصبح هناك تركيز بشكل أو بآخر على التداعيات، على سبيل المثال مسلسل “البرنس” لمحمد رمضان في الموسم الرمضاني الماضي، كان من الأعمال الدرامية ذات الرسائل الهامة جدا عن المخدرات.. “محمد رمضان مطلعش بسيجارة في إيده، وكان هناك رسائل توعية منه لأخيه أكثر من رائعة كما ساهم في علاجه من الإدمان”.
أيضا المخرج محمد سامي ينسق معنا بشكل مستمر ومتكامل على كل المشاهد والمحتوى وطريقة تقديمه، وبالتالي أصبحنا مرجعية له، حتى في مسلسله الرمضان المقبل الذي يستعد له الآن.
لا أنكر أن هناك استجابة قوية من صناع الدراما، فقد كانت نسبة المشاهد 12% في 2014، حاليا 1% مخدرات وحوالي 2% تدخين، أي انخفضت بشكل كبير على المستوى الكمي، وعلى مستوى تحليل المضمون فهناك تحسن بشكل قوي أيضا، وما زال هناك مشاكل نتحدث فيها، مثل مسلسل “بـ 100 وش” لأن لدينا أزمة كبيرة معه، فمشاهد الخمور كانت عنصر قلق رهيب، ولم تكن للبطل فقط بل ظهرت في المسلسل كنمط حياة بشكل متكامل وغير مبرر.
لقد هاجمنا الفنان أمير كرارة قبل سنوات عديدة مضت، بسبب مسلسل “الطبال”، لكنه استجاب للانتقادات حول ما يقدمه من تناول فني لأزمات التدخين وما شابه، وغيّر من خريطته الفنية، وأصبحنا اليوم نفتخر بأنه نموذج مشرف وداعم رائع لنا. ولا أتحدث هنا من الجانب الدرامي هذا أمر آخر يتحدث فيه من هم أهلٌ له، ولكن أتحدث فيما يتعلق بالترويج للمخدرات في المشاهد، لأن الوضع تغير الآن وأصبح “أمير” عامل مساعد لنا في هذه القضية، وأنا أتذكر تصريح له قبل سنوات بأن مشاهد التدخين والمخدرات تحتاج لإعادة نظر منه لأنها تزعج الناس وتضرهم، وها هو الآن قد غيّر الوضع لما هو أفضل، وهذا يُحسب له.
نهتم بالأفلام، لكن اهتمامنا بالدراما أكبر لأنها تدخل كل البيوت بدون استئذان، السينما مهمة بالطبع ونرصدها أيضا ولكن ليس طوال العام، بل فقط في المواسم السينمائية مثل الأعياد وخلافه.
نحن على تواصل مع شركات الإنتاج هذا العام بشكل أكبر، لذلك أتوقع أن تكون دراما الموسم الرمضاني المقبل أكثر رشدا في تناولها لقضايا التدخين والمخدرات.