محمد إسماعيل الحلواني
اجتذبت الحدود الدقيقة والعلاقة بين الصحفيين المهنيين والأشخاص المجاورين لمهنة الصحافة الذين يتنافسون معهم على الاهتمام والتأثير قدرًا كبيرًا من انتباه العلماء على مدى العقدين الماضيين.
سواء كانوا مدونين أو منشئي محتوى أو ويكيليكس أو منتمين لصحافة المواطن، فإن هؤلاء الذين أطلق عليهم موقع Neiman Lab المهتم بدراسات مستقبل الصحافة وتطويرها مصطلح “الفاعلين المحيطين” أو “وسائل الإعلام المتداخلة” يشكلون بالفعل تحديًا مستمرًا لقدرة الصحفيين على تمييز أنفسهم كأبناء مهنة مستقلة راسخة والدفاع عن شرعيتهم الخاصة لدى جمهور الصحافة.
ركزت غالبية الأبحاث المعنية بالعلاقة بين الصحافة والمتطفلين عليها على جهود الصحفيين الخاصة لرسم حدود واضحة حول نشاطهم من أجل إبعاد الآخرين وتعزيز سلطتهم الرابعة المميزة. لكن هذه الجهود ستظل غير مؤثرة دون موافقة الجمهور – باعتبارهم المرجعية التي تعزز استثنائية الصحفيين ويمنحهم المصداقية بناءً على ذلك.
إذن كيف يفسر الجمهور الحدود بين الصحفيين وهؤلاء المتطفلين، وإلى أي مدى يفصلون بينهما؟ هذا ما سعت ساندرا بانجاك وفولكر هانوش إلى تحديده في دراسة نُشرت في مجلة New Media & Society. استخدمت بانجاك وهانوش مجموعات تركيز من الشباب في النمسا لفحص تصوراتهم ومعاييرهم حول الصحفيين وصانعي المحتوى على إنستجرام ويوتيوب والمدونات.
رسم المشاركون في هذه الدراسة حدودًا معيارية صارمة بين الصحفيين وصانعي المحتوى في العديد من المجالات مثل:
– يعمل الصحفيون بنكران الذات من أجل المصلحة العامة، بينما يعمل منشئو المحتوى لتحقيق مكاسبهم الخاصة.
-الصحفيون يفصلون أنفسهم وذاتهم عن ما يكتبون، بينما منشئو المحتوى عاطفيون وذاتيون.
– يتمتع الصحفيون بتعليم وتدريب خاص، بينما يفتقر منشئو المحتوى إلى المهارات المتخصصة.
ورجحت بانجاك وهانوش بأن هذه الحدود، وإمكانية التنبؤ بها، تشير إلى مدى عمق خطاب الصحفيين حول أسس سلطتهم في مفاهيم الجمهور عن الصحافة. لكن فريق البحث اندهش أكثر بأوجه التشابه الدقيقة التي رسمها الجمهور بين الصحفيين وصانعي المحتوى. وبالتحديد، حمل الجمهور المجموعتين على نفس المعايير إلى حد كبير وأعربوا عن نفس المخاوف بشأن انحراف الرسالة التي يتضمنها المحتوى الذي يقدمه الصحفيون والمحتوى الذي تقدمه الفئات الأخرى.
وتوصل فريق الدراسة إلى أن معايير الجمهور لمنشئي المحتوى كانت معايير صحفية ضمنيًا. وكان مصدر انزعاج شريحة الجمهور المشاركة في الدراسة من مدى التوجه التجاري الذي أصبح عليه بعض منشئي المحتوى على إنستجرام ويوتيوب، وكيف أن الدافع وراء الأرباح والرغبة في إرضاء الرعاة قد أضرت باستقلاليتهم.
اشتكى المشاركون في الدراسة من أن بعض منشئي المحتوى تحركهم آليات السوق وقواعده عند النشر باستمرار، متخلين عن المزيد من المواد الموضوعية لإرضاء مطالب المعلنين ومحاولة الاستفادة من اقتصاد الاهتمام الذي لا هوادة فيه.
تبدو مألوفة؟ هذان هما من الانتقادات الأساسية التي وجهها الجمهور للصحفيين، لا سيما في العصر الرقمي. والآن، استخلص بانجاك وهانوش، أن الجمهور يطبق نفس الانتقادات والمعايير على منشئي المحتوى.
الجديد في هذه الدراسة هو اقتراح حلول من قبل الجمهور لأسباب الشكاوى من منتجي المحتوى، وهي حلول جاءت في مجملها مشابهة لحلول إصلاح الصحافة أيضًا. دعا المشاركون منشئي المحتوى للتمسك بالأداء الذي يعكس الأصالة والتمتع بالشفافية بشأن تأثيراتهم وعيوبهم.
وتضمن أحد الحلول المزيد من الصراحة والاعتراف بأولوياتهم ومصالحهم. وأرادوا من منشئي المحتوى الاهتمام بالمحتوى عالي الجودة وإعطاء الأولوية له على الاندفاع لحصد النقرات والإعجابات.