دنيا شمعة
صدر حديثًا عن بيت الياسمين للنشر والتوزيع، كتاب “الأيام الحلوة فقط” للكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد، والذي طرح بالتزامن مع الدورة 39 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب.
يحكي التي “عبد المجيد” في كتابه الجديد، عن أبرز المواقف التي جمعت بينه وبين كبار المفكرين والأدباء كـ خيري شلبي وإبراهيم أصلان ونجيب سرور، وسمير سرحان، وسعيد الكفراوي، كما يعرض الكتاب أيضًا بعض المواقف التي أثرت فيه بصفة شخصية خلال مسيرته الأدبية.
وفي هذا التقرير يستعرض إعلام دوت كوم، مقتطفات من أيام إبراهيم عبد المجيد الحلوة، التي ذكرها في كتابه:
1- الإسكندرية.. موج بلا صخب
أستطيع أن ألخص أيامي الأدبية الأولى في الإسكندرية، بأنها كانت كلها أيامًا حلوة بين الأدباء، كنا شبابًا غضًا لا منافسة بيننا على شيء، وكل هدفنا أن ننشر في القاهرة، وكان ذهابي إلى القاهرة لأتقاضى المكافأة عن قصة نشرتها، وعرفت هناك الكثير عن خبايا الحياة الثقافية، فوجدت أن جلسات الأدباء في القاهرة مليئة بالأفكار الكبرى، والجميع بلا استثناء ضد سياسة أنور السادات، لم نكن في الإسكندرية نتذكر أن حولنا سياسة، لكن كل من قابلت في القاهرة كان تقريبًا على خلاف ذلك، فقررت الرحيل عن الأسكندرية وقلت لأصحاب عمري من الأدباء السكندريين “في القاهرة أسباب للفشل والنجاح لكن هنا قد يكون الفشل إلهيًّا، فنحن ننتهي من الندوة.. ونأكل سندوتشات فول وفلافل من محل محمد أحمد، والدنيا أكبر من كدا.. أنا رايح للفشل والنجاح”.
2- رجال لا أنساهم
كنت في السنوات بين 1965 و 1975 أعمل في شركة الترسانة البحرية بالإسكندرية، وكان المهندس أحمد عفت هو أول رئيس مجلس إدارة للشركة، رآني مرة أسرع وفي يدي عتلة كبيرة، ولم يكن وزني يزيد عن ستين كيلو، فأشار لي أن أذهب عنده، وعلم من المهندس نبيل أني أحب القراءة، ليطلب مني أن أريه كتبي.. وبعدها يقول “الورشة ليست مكانك، غدًا تنتقل إلى مركز تدريب الترسانة لتدريب الطلاب على الكهرباء، وتدريس اللغة العربية”.
هناك أيضًا قابلت المقدم سلام مدير مركز التدريب، كان طيبًا جدًا وبسيطًا ومتواضعًا معنا نحن المدرسين والمدربين. في مرة رآني فرحًا وأنا أردد أمامه أعداد الطائرات الإسرائيلية التي أوقعناها، وكيف صرنا على أبواب تل أبيب، فقال لي “إنت مصدق الإذاعة يا إبراهيم!.. أنا مقدم جيش وبقولك إحنا معندناش القدرة دي، إحنا مهزومين”.
3- الخطوات الأولى في القاهرة
الشاعر أحمد الحوتي اسم غائب، قليلًا ما يأتي ذكره في الحياة الأدبية، كان شاعرًا جميلًا حقيقيًا، عرفته مبكرًا قبل أن أقابله من خلال ما ينشره من شعر في المجلات الأدبية في أوائل السبعينات ثم عرفته عن طريق أحد أصدقائي. قابلني مع صديقي محمد أبو سلامة، وكان بيدهما عدد من مجلة الطليعة كان أحمد الحوتي رحمه الله قد عاد به من إجازته قبل إندلاع الحرب.
كما كان أيضًا المخرج سامي صلاح رحمه الله كنز الضحك والحكايات من الأشخاص الذين قابلتهم في خطواتي الأولى في القاهرة، قضينا معًا وقتًا طويلًا، فبعد مظاهرات يناير 1977 انتقلت للسكن معه في الشقة التي يسكن بها، وهنا بدأ الضحك وارتفع للسماء، فكان مثلي شديد الفوضوية، وكنا نجعل طعامنا طوال الأسبوع نوعًا واحدًا.. أسبوع سمك.. أسبوع فراخ.. أسبوع فول وفلافل وهكذا.
4- سعيد الكفراوي.. ضحك في الفضاء وطيبة تمشي على قدمين
بدأنا ننشر في مجلة الطليعة مع بداية السبعينات، وقرأت فيها لسعيد الكفراوي والمنسي قنديل ولجار النبي حلو، سافر الكفراوي قبل أي منا إلى السعودية، وحين عاد كان المنسي في الكويت، وجار النبي لا يزال كما هو حتى الآن في المحلة، فكان لقائي بسعيد هو الأكثر، ذهبنا مرة معًا إلى المغرب، ولم نفترق عن بعضنا، كان سعيد في كل جلسة سهر يحب أن يطلق النكات والحكايات، كانت نكتته الدائمة في المغرب هي نكتة عن عبد الناصر عندما أتى للمغرب، ولم تغب أبدًا عنا هذه النكتة، كنا عندما نمشي في الأسواق ونريد شراء بعض الملابس، كلما قال البائع سعرًا قال له سعيد سعر أقل بكثير.
سافرنا معًا إلى معرض الكتاب في ليبيا، وعندما كنا نستمع إلى كلمة القذافي، كنت أسقط في النوم وأشخر، فيوقظني شخص من خلفي، وكان الأولى أن يوقظني سعيد لكنه راح بدوره يشخر في أذني. الحديث عن سعيد الكفراوي يعني حديثًا عن حياتي كلها، ويذكرني بكل جميل من الأصدقاء، أعود إلى الضحك الجميل.
في عيد ميلادي الثامن والخمسين، قرر سعيد الكفراوي عمل عيد ميلاد لي في بار ستيلا، أنا لست من الحريصين على الاحتفال بعيد ميلادي، لأني منذ وقت مبكر كنت أسأل نفسي ما معنى الاحتفال بعام مضى ولن يعود، خارج البيت لم يتم عمل حفل عيد ميلاد لي إلا مرتين، منهم هذه المرة.
5- نجيب سرور.. مشوارنا خطوة وعمرها ما بتنقضي
نجيب سرور لا يمكن أن يغيب عن هذا الكتاب، كان نجيب سرور بالنسبة لي أحد أيقونات الثقافة المصرية، مثله مثل أمل دنقل في الشعر، القارئ العادي والقارئ البعيد عن الأدباء والفنانين يتصور أنهم كما يكتبون، ولا يعرف أنهم بشر وأنهم يتميزون عن البشر في عدم توافقهم مع المجتمع مهما كانت الدولة عادلة.
وكان نجيب من أكثر الناس الذين أقابلهم في مقهى ريش، كان نجيب يجد ملاذه في شرب البيرة، كنت أحب الجلوس معه، كنت ألوذ بالصمت بجانبه لأن الكلام هو ما يزعج نجيب سرور في اللحظات الأخيرة من السهر، كان يشرب حوالي عشر وخمس عشرة وعشرين زجاجة من البيرة، وهذا أمر صعب جدًا وهذا كان سبب وفاته الحقيقي.
6- خيري شلبي.. طعم النيل
لم يكن خيري شلبي يجلس على مقهى الريش، أو قليلًا ما قابلته عليها، كان يعمل صحفيًا في مجلة الإذاعة والتليفزيون، ولقد تم تعيينه قبل أن يصدر قرار أنه لابد من حصول الصحفي على مؤهل عالٍ حتى تقبله النقابة.
خيري شخص عصامي علم نفسه بنفسه، واشتغل أعمالًا كثيرة مرهقة، كان كتاب الستينات لا يذكرونه بالخير، دائمًا بنبرة سخرية من أعماله باعتباره يحكي دون أن يهتم بالتجديد في بناء الرواية، شربنا ذات مرة أربع زجاجات في ستيلا، وقام خيري بدفع الحساب وأنا في دهشة.. هل هذا هو الذي يتحدثون عن حرصه وبخله؟!
كنت قريبًا من خيري لسنوات طويلة، وكانت دهشتي كبيرة من هذا الظلم له الذي استمر سنوات طويلة حتى تم تحويل رواية “الوتد” ، وبعدها صار شلبي ملء السمع والدنيا.
7- سمير سرحان.. زوربا اليوناني
كانت معرفتي الأولى بسمير سرحان من بعيد، حين كان ينشر مقالاته في مجلة الجديد، وطلب مني أن أدير المقهى الثقافي في أول ظهوره بمعرض الكتاب فوافقت، كان يعرف وهو رئيس للثقافة الجماهيرية قدرتنا على العمل الجماهيري، حين سألني لماذا لا أنشر في مكتبة الأسرة، وكانت الهيئة قد نشرت لي روايتين معًا في كتاب واحد، فقال لي إنه سيطبعهما أيضًا في مكتبة الأسرة.
8- الثقافة الجماهيرية.. ضحك ولعب وزواج
مكان عملي الأساسي هو الثقافة الجماهيرية، كانت الثقافة الجماهيرية مكانًا ثانويًا في حياتي، رغم أني توليت فيه مناصب هامة، ومن الذكريات التي لا أنساها يوم ذهبت إلى الأقصر واتصل بي المرحوم سيد مسعود الأقصري وعدد من كتاب الأقصر، كان لديه فندق شعبي مبني من الخوص والخشب، وقال لي أنه لا داعي لحجز فندق على حساب الثقافة الجماهيرية، وأنه سيستضيفنا أسبوعًا كاملًا نزور فيه كل آثار الأقصر.
لم يطل بقائي مديرًا لإدارة الثقافة العامة، ورغم أني تركت العمل للموظفين ولا أذهب كثيرًا، لكني لاحظت تغيرًا كبيرًا في قصور الثقافة ومراكزها، فكثير من المثقفين الحقيقيين خرجوا إلى المعاش ومثلهم من المخرجين.