فاطمة خير
“العين السحرية” اسم ستتذكرونه كثيراً في الفترة المقبلة، حين يتعلق الأمر بالحديث عن البرامج المؤثرة عبر منصة يوتيوب، برومو قصير ثم فيديو يشرح أسباب إنتاج البرنامج ربما قد يكونا كافيين لزيارة تحمل من الفضول أو الرغبة في التشجيع مجاملةً لصاحب الفكرة أكثر مما تحمل من الرغبة في المتابعة؛ لكن النجاح الحقيقي يتحقق حين يُقنعكَ المُنتَج بالمتابعة.
خطوة أقل ما توصف به هو الجرأة تلك التي اتخذها تامر عزت منذ فترة قريبة، حين أطلق على اليوتيوب برنامجه “العين السحرية”، فخبرة طويلة تصل إلى خمس وعشرين عاماً في مجال الميديا، قد تكون كافية للإلمام بكل خباياه لكنها أيضاً دافع كبير للخوف من اقتحام المنطقة الأكثر لمعاناً فيه الآن: منصات الديجيتال.
تامر عزت تخرج في الجامعة الأمريكية حيث درس الفيزياء والإليكترونيات! لم يمنعه ذلك عن العمل كمونتير وسيناريست ومخرج لعدد من الأفلام الروائية والتسجيلية والتي حازت على جوائز محلية ودولية، ويوضح ذلك قدرته على المغامرة باقتحام عالم الديجيتال ميديا عبر إنتاج وتقديم برنامج ثقافي!
برنامج ثقافي؟ وعلى اليوتيوب؟ هل سيحظى بالمتابعة؟ ربما أن هذهِ الأسئلة لم تشغل بال عزت، الذي أوضح عبر فيديو “توضيحي” أسباب إنتاجه وتقديمه للبرنامج الذي تتناول حلقاته موضوعات متنوعة، علمية وتكنولوجية واجتماعية وثقافية، لكن من خلال أحدث الأطروحات حيث يتناولها جميعاً من زاوية علاقتها بالمستقبل، فهو يتحدث عن الروبوت والذكاء الاصطناعي وفي الوقت نفسه عن الفرق بين السعادة والسرور وعلاقة ذلك بإدمان التكنولوجيا، يتحدث عن طرق ومهارات تنظيم الوقت – معضلة العصر الحديث – وأيضاً عن أسس التربية الحديثة وتطوير الذات، بمعنى آخر يمكن اعتبار محتوى هذا البرنامج جامع وشامل لكل ما يحتاجه إنسان عصري، ويبقى التحدي أن تحظى هذهِ النوايا الطيبة والأفكار العصرية والواقعية بالقبول.
على مدار أقل من شهرين تنشر قناة تامر عزت حلقات البرنامج بإيقاع أسبوعي، حيث تم إذاعة ست حلقات حتى الآن، تستخدم جميعها المقالات المترجمة كمصدر للمعلومات، وهي الهواية التي كان يمارسها تامر بشكل عفوي من خلال حسابه الخاص على شبكة فيسبوك حيث يختار المقالات وتيرجمها وينشرها مُختصرة، لكنه الآن يقدمها من خلال شاشة اليوتيوب بتوظيف زاوية صغيرة تضم مكتبه بسيط الطلة، وخلفية موسيقية سريعة وخفيفة ذات إيقاع حيوي يميل للمرح، وأدوات الإنتاج المرئي التي بالطبع يتقن استخدامها: إنتاج غير مكلف ولكن تم توظيفه بذكاء.
على عكس الكثيرين ممن قرروا البدء بمشروعات مشابهة تتضمن تقديم برامج عبر السوشيال ميديا، لكنهم لم يتصفوا بالصبر؛ يبدو أن لدى تامر خطة محددة بالفعل، فالإيقاع الثابت في البث، ونضج تناول الفكرة برشاقة، والتركيز على علاقة موضوع الحلقة بالتكنولوجيا وعلوم المستقبل، وأيضاً محتوى الفيديو الذي يشرح أسباب تقديم البرنامج والذي يتضمن بالفعل مقاطع من الحلقات التي يبدو أنه تم تصويرها كاملة، كل ذلك يترجم خطة ذات رؤية، لو قُدِرَ لها الاستمرار، سيعني ذلك أننا أمام أول برنامج مصري محترف يقدم وجبة ينفرد وحده بها، تخاطب إنسان عصري، وتشبع احتياجاته المعرفية بسلاسة ومباشرة مع الإِشارة للمصادر العلمية والصحفية التي قامت بالنشر، لذا فهو يراعي الموضوعية في الوقت الذي يحافظ فيه على حقوق الملكية الفكرية.
“همزة الوصل بين المحتوى الموجود بلغات أُخرى على الإنترنت ومستخدم الإنترنت العربي”، التعرف على الأفكار الثقافية التي تُنشر في العالم الآن هو الهدف المباشر للبرنامج وفقاً لعزت عبر فيديو ” ليه قررت أعمل برنامج العين السحرية؟ أي أننا أمام برنامج علمي وثقافي بالعامية المصرية، يتحدث عن كل شئ بروح اللحظة، بدءاً من اختفاء أوراق مناديل الحمام وقت بداية الكورونا في الغرب، وحتى توظيف الروبوت في كتابة المقالات الصحفية، وكذلك يحاول تقديم الإجابة عن أسئلة فلسفية مثل: الفرق بين السعادة والسرور ولكن من زاوية علاقة ذلك باستخدام الموبايل ووسائل التواصل الاجتماعي، أما الحلقة الأخيرة والتي تحمل عنوان”ما هو الذكاء الاصطناعي” فقد حملت الكثير من المعلومات الحديثة والمهمة وشديدة التأثير على حياتنا في الفترة المقبلة.
يتمتع “العين السحرية” بمحتوى رائع، واستطاع تامر عزت تقديم الحلقات بحضور يتفادى “ثقل دم” المادة العلمية ، لكن البرنامج بالتأكيد يحتاج للتواجد عبر منصات أُخرى دعاية للحلقات، وفي كل الأحوال نحن أمام عصر جديد من اقتحام “المحترفين” لملعب البرامج المتخصصة عبر الإنترنت.