أشاهد أحد برامج التوك شو كعادتي، اتابع المذيعة الشابة وهي تحاور الخبير الاستراتيجي حول الخطوات المطلوبة لمكافحة الإرهاب. أقوم لا إراديا بتجاهل الحقائق المغلوطة التي صارت جزء من الواقع الإعلامي المصري. أحاول أن أحصل على الحقيقة وسط عشرات الكذبات الصغيرة، والكذبات المتراكمة عليها، حتى استوقفني سؤال بديهي؛ هل مازال لدى الإعلامية والخبير الاستراتيجي القدرة على التمييز بين الكذب والصدق فيما يقولون، أم فقدوا القدرة على فصل ما يقال للعامة وبين الحقائق التي يعرفونها، تلك الأسئلة التي يُعتبر مناقشتها أو مجرد ذكرها خيانة للوطن! السؤال دفعني لسؤال أكثر خطورة؛ هل يتذوق المحللون وصانعي القرارت في وطنا – وهم يعيشون داخل تلك الفقاعة من الأكاذيب المصنعة للاستخدام الإعلامي – من نفس الطبق المعد للجماهير؟!
ليس الغرض من هذا المقال المعارضة أو السخرية، ولا إتهام النظام وأذرعته الإعلامية بتغييب الشعب، فتلك الاتهامات لن تؤثر في إعلاميينا، ولن ينظروا إلي أصحابها سوى لتوجيه الاتهامات لهم. الغرض من السؤال هنا هو التأكد فعلا أن الدولة التي تكرس الجزء الأكبر من طاقتها لمكافحة الإرهاب، لا تهدر جهودها في مطاردة سراب من صنع يديها.
لقد أصبحنا نعيش داخل عدة نسخ من الواقع نفسه، كل منها يصدقها ويتبناها قطاع كبير من الشعب مما لازالوا معنيون بالوضع السياسي. واقع في شاشات الإعلام الموالي للدولة، ونسخة يتداولها أبناء التيار الإخواني، ونسخ أخرى متفاوتة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تتفاوت بين بطولات كرتونية، إلى نظريات مؤامرة لا يقع فيها قائد الأسطول الأمريكي أسيرا لدينا، وأخرى تدعي أن والدة رئيس الجمهورية وحرسه الخاص من الإسرائيليين.
ووسط كل هذا الكم الهائل من الروايات الكذابة، والإعلاميين غير المهنيين، يصبح الارتجال الإعلامي أمر سهلا، فيخرج لنا في اليوم الواحد ربما عشرات الحقائق الكذابة التي بنيت على حقائق مغلوطة أخرى، حتى صار 90% مما نتناوله جميعا ليس دقيقا.. ليس الحقيقة.
ربما ترى أن من السذاجة أن أتسائل إذا كانت لتلك الروايات والتحليلات تستطيع أن تخترق أجهزة الأمن والاستخبارات، تسطيع أن توقعنا في دوامة من صنع نفس الأجهزة، لكنك إذا دققت النظر لكل من أجهزتنا، فرجالها – وخاصة الأقل رتبة والذين يتعاملون مع الشارع مباشرة – هم في النهاية مواطنون يتابعون نفس أجهزة الإعلام، تردد على اسماعهم نفس الروايات كل يوم، كيف نتأكد من أنها لا تطولهم هم أيضا؟! كيف يستطيع صانع القرار التمييز بين نتاج حالة الهوس الإعلامي، وبين الواقع وكيفية التعامل معه!
لن أخوض في أمثلة مجرد ذكرها سيضعني في خانة لا أفضلها، يجعلني خائن عدو للوطن من ناحية، وسفاح عدو للدين وأبناء الشعب في نسخة أخرى. كل ما أريد أن أوصله من خلال تلك المقالة هو كلمات بسيطة لكل مسؤول في الدولة، لكل من له سلطة التأثير في الجموع..أكذب كما تريد، نحن ندرك صعوبة وضعك، ولم يعديهمنا غياب الشفافية الذي يصل للكذب والتلفيق وحكايات الأطفال في بعض الأحيان، طالما تعرف أنها كذبة، طالما لا تصدقها انت.