هالة أبو شامة
عرض مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 42، مؤخرًا، فيلم “حظر تجول” ضمن المسابقة الدولية بالمهرجان.
تعود أحداث الفيلم لعام 2013، حينما تخرج “فاتن” التي تجسدها الفنانة إلهام شاهين، من محبسها، أثناء فترة تطبيق حظر التجول، لتلتقي بابنتها “ليلى” التي تجسدها الفنانة أمينة خليل، والتي امتنعت عن زيارتها في السجن منذ 17 عامًا، وزوجها “حسن”، وحفيدتها.
وعلى مدار 90 دقيقة، استعرض صناع الفيلم تلك المشاعر المتبادلة بين أم يمتلئ قلبها بلهفة اللقاء وابنة لا يتحكم في تصرفاتها سوى قساوة السنوات التي عاشتها بعيدة عن والدتها ووالدها الذي قُتل على يد الأولى.
رغم قسوة وجفاء اللقاء الأول بينهما في الدقائق الأولى من الفيلم، تضطر الأم للإقامة بمنزل ابنتها والذي كان منزلها في السابق قبل أن تُنهي حياتها الزوجية بطعنة سكين بجسد زوجها، 24 ساعة فقط حتى تنقضي فترة حظر التجول، التي فرضت وقتذاك لأسباب سياسية.
تستعيد الأم ذكرياتها بمجرد أن تطأ قدميها سلم تلك العمارة القديمة، وتتذكر العلاقة الطيبة التي جمعتها بجيرانها من بينهم “أم سلمى” التي تجسدها الفنانة عارفة عبد الرسول، والتي أصيبت ببعض الخرف بسبب تقدم العمر، وجارها الذي اتهم بأنه كان عشيقها قبل أن يتم ضبطهما سويًا من قِبل زوجها الذي قتل.
أسباب الجريمة التي ارتكبتها “فاتن” كانت مبهمة، بل وفضلت أن تتحمل كل الاتهامات والطعنات التي لحقت بشرفها حتى لا تفصح عن السبب الحقيقي للدافع الذي أدى لفعلتها، ذلك الأمر الذي جعل الجمهور يتصور أن السبب هو الخيانة.
لكن الخيانة لم تكن منطقية للبعض، إذ تعرضت فاتن لضغوطات كبيرة من ابنتها التي أرادت أن تعرف دافع والدتها، ولكن ليس بدافع مسامحتها وإنما لإرضاء فضولها، فالكره الذي بداخلها تجاه والدتها لم يكن يذهب بمجرد سرد رواية عن جريمة وقعت قبل سنوات.
تتابع الأحداث، وتبدأ ليلى، في التعرف على والدتها شيئًا فشيئًا، حتى أن مشاعر الكره بدأت تقل خاصة بعد وقفت بجانبها حينما مرضت الحفيدة، واضطروا للخروج وقت الحظر للتوجه إلى المستشفى الذي يعمل فيها زوجها حسن كطبيب.
في النهاية يكتشف الجمهور أن سبب الجريمة هو أن الأب كان يعتدي على ابنته التي ظنت طوال تلك السنوات أنه رقيق القلب وودود، فحينما دخلت الأم من باب الشقة لم تتمالك أعصابها وانقضت عليه بالسكين المستقر على طاولة الطعام.
تمكن صناع الفيلم من إيصال الرسالة المرجوة، دون المساس بمشاعر الجمهور، إذ أشار المخرج أمير رمسيس، إلى تلك الجريمة بملابس الطفلة الملقاة على الأرض، وحرص على عدم إظهار ملامح الأب طوال الأحداث باعتباره سراب لا يستحق أن يُكرم بالاعتراف بصورته الواضحة.
فيما حرصوا أيضًا على مراعاة طبيعة المجتمع الشرقي المحافظ، إذ انتهى الفيلم ولم تعرف الابنة سبب قتل والدها، فيما اكتشفت فاتن أن فِعلة زوجها لم تكن الأولى بل تكررت أيضًا مع الطفلة سلمى ابنة جارتها، التي حرصت هي الأخرى على الكتمان.
اسم الفيلم، كان محيرًا بعض الشئ في البداية إذا ظن البعض بأنه سيتطرق في الأحداث لبعض الموضوعات السياسية، لكن المفاجئة أنه ابتعد تماما عن هذه المنطقة وذكرها خصيصًا في الفيلم ليستغلها في إظهار قوة مشاعر فاتن تجاه ابنتها وحفيدتها، إذ تحدت خوفها وخاطرت بالخروج وقت الحظر بدافع الحب ولإنقاذ الطفلة.
الفيلم بشكل عام كتلة مشاعر، ظهرت في كل مشهد من مشاهده، فمزج الخوف مع الحب مع التضحية والتهور والقوة والقسوة واللين، ليس سهلا على الإطلاق لكنه ظهر على الشاشة بشكل سلس وواقعي.