مينا فريد
في يوم من أيام شهر أغسطس الحر جدا سنة 2017..
مديري الألماني اللي كنت بقالي سنة بشتغل معاه بالإنترنت بس من غير ما أشوفه و كل حد مننا في بلد..
قرر ييجي يحضر إجتماع مهم جدا في الدوحة مع الفيفا متعلق بواحد من مشاريع كاس العالم في قطر اللي كنت بشارك معاه في تصميمها..
قابلته في المطار الوحيد هناك..
سلّم عليا بالبرود الألماني المعتاد..
و بعد السؤالين المتعلقين بالصحة و العائلات ..
ركب جنبي العربية و وصلّته لحد بابا الفندق الفخم..
إتأكدت إنه إستلم مفتاح أوضته بسلام , و إستنيته يطلع يغيّر هدومه عشان وعدته أعزمه في مطعم يعجبه.
طول الوقت و هو فوق كنت بفكّر يا ترى ممكن ياكل إيه ؟
أوديه فين؟
إنتوا عارفين إننا كعرب عموما و كمصريين خصوصا اللي نحب نكرمه بنأكله..
خفت أدخلّه في الأكل المصري على طول..
المهم إستقريت على مطعم لبناني ..
لو هو نباتي .. يبقى عندنا فتوش و تبوله و فطاير زعتر و خضار ..
مش نباتي .. ندخل في المشاوي و دلعها و الطاسات اللبناني و الجبنه العكاوي و جمالها..
وصلنا لمطعم في السوق التراثي القديم..
سوق واقف..
الدنيا كانت رايقة في المطعم أما وصلنا ..
أصل مين مجنون ممكن يروح أي مكان غير مول في أغسطس في قطر في رطوبة قاتلة و حرارة تتجاوز درجاته الستة و أربعين؟
و زي ما كان قلبي حاسس ..
طلع نباتي..
أكل سلطة خضرا و سوتيه و أنا كنت باكل صفايح لحم جبن و هو بيبصلي بكل إستغراب..
ما تفك بقى يا عم؟
من ساعة ما قابلته في المطار ما ضحكش ضحكة واحدة ..
ضحك إيه !
ده حتى ما ابتسمش..
قولت طب أكسر الجليد بينا إزاي ؟
افتكرت جملة كنت قريتها
“عشان تشد انتباه أي حد .. يا تتكلم في الجنس يا في الأشباح يا في الأكل “
غالبا اللي قال الجملة دي ماقعدش مع ألمان .. بس قولت أخليني بطبيعتي..
قولتله و بإنجليزية سليمة و أنا باخد شفطة طويلة من الشاي المثلّج اللي بطعم الخوخ الجميل .. بص يا مستر كلاوس .. إحنا كده بقى بينا عيش و ملح و ده عهد وفاء مهم جدا جدا عندنا كمصريين..
الراجل بصلي بصة أنا مش فاهم حاجة .. و قالي .. يعني إيه ؟
قولتله يعني كده فيه اتفاق غير معلن بينا اننا نصون اننا أكلنا سوا في يوم .. ده عهد محبة.
أستنكر بكل قوة و قالي و هو بيهز كتفه بلا مبالاة : أنا ياما أكلت مع ناس مش بحبهم و مش بطيقهم حتى, و كان وقت و عدّى.
بلعت الإهانة المحتملة و قولتله : يمكن, بس الأكل عند المصريين ليه خصوصية خاصة دي عادات بنتوارثها من أيام القدماء المصريين.
أول ما سمع القدماء المصريين لاقيته لأول مرة ابتسم و هو بيبص على كرشي و بيقول و على طرف شفته ضحكة بسخرية : واضح ,بس أحب أعرف إيه العلاقة بين اننا ناكل سوا و بين عهد الصدق و الإخوة؟
أخدت شفطة كمان من الشاي اللي بالخوخ و اتعدلت في قعدتي و أنا ببصله بصة المنتصر إني أخيرا عرفت أثير فضوله و قررت أقوله حكايتنا …
حكاية العيش و الملح..
كلمة عيش بالعربية جاية من عيشة أو حياة .. ماعرفش شعب تاني بيشوف الخبز يساوي الحياة نفسها ..
عارف سمّوه كده ليه ؟ عشان أساس حياة الفقرا و أكلهم هو الخبز .. و عشان كده الدولة المصرية مهتمة جدا بالعيش.
أما الملح ف ده هو اللي بيدي الطعم و الإختلاف .. بيقولوا في الأمثال الشعبية ماتفسدش الطبخة عشان شوية ملح صغيرين ,ف الملح مؤثر ..
فكرته بقول المسيح : أنتم ملح الأرض .. فضحك و قالي .. المصريين القدماء ماكنوش يعرفوا المسيح و أنا اصلا ملحد ..
قولتله بس الملح ده كان من قديم الأزل ليه استخدامات روحية كتير في الحياة الفرعونية .. و أهمها في مرحلة التحنيط ده غير أكلات كتير متواريثنها بيدخل فيها الملح بشكل اساسي زي الفسيخ مثلا..
سألني بكل بساطة إيه الفسيخ؟
حكيتله عن الفسيخ ..
إداني رد فعل ألماني مقارب لرد فعلنا الإسكندراني ..
و دي كانت نهاية الكلام معاه تقريبا ..
ضحكنا كتير و حكالي شوية عن الأكل الألماني و تراثه ..
و مشينا و إحنا بنضحك سوا لأول مرة كأصحاب من غير تكشيرته المعتادة..
روّحته للفندق على أمل لقاء الصبح للعمل..
يومها حطيت نظرية جديدة ..
عشان تكسر الجليد مع ألمانيين .. مش مهم الأكل أوي ..
ممكن يبقى الأكل مدخل عشان تتكلم عن جدودك القدماء المصريين.
قولتها لنفسي و أنا بضحك ..
و شغلّت في العربية الجيرة و العشرة لمنير.
و منير فكرني بحارة مدبولي في الفيوم ..
مش عارف مدبولي؟
المرة الجاية هعزمك على طعمية من هناك..